لأكثر من مرة تقف شابة نابهة عند فتح باب الحوار لتضع أمر الغربة فوق طاولة الرأي!! ما الذي أفعله وأنا أجدني غريبة بين من أعيش؟!..، والأمر ليس غربة فقط في مجتمع كبير، بل تبدأ في مجتمعها الأسري الصغير، وينصرف التفكير إلى نمط العلاقة بين أفراد المنزل الصغير، إذ إن كانت هناك مسلَّمات لغربة الإنسان في المجتمع الأكبر لتعدُّدية أنماط السلوك الفكري، والأدائي لنوعية العلائق والممارسات في التَّعامل الفكري، والقولي، والعملي، فإنَّ هذا قد لا يكون من المسلَّمات بين أفراد الأسرة الواحدة على ما هنالك من اعتقاد أكيد بوجود فوارق الشخصية بين شخص وآخر في كلِّ مجموعة من البشر صغيرة هذه المجموعة أو كبيرة. الغربة ليست إحساساً وممارسةً جديدة على الإنسان، فالإنسان يعيش غربة تبدأ في رحم أمِّه إن لم يتآلف مع كريّاتها الدَّموية، وعندما يواجه أوَّل إحساس بنور وهواء الأرض إلى أن يكبر ويعي تفرُّدَه ومسؤوليته نحو هذه الفرديَّة فيه، إلى أن يستوي صاحب نمط تفكيري وسلوكي يختلف عن الآخر. غير أنَّ تحقيق وجود الحدِّ الأدنى من أسباب التآلف والتَّكيُّف مع الآخر في مجتمعاته الصغيرة الخاصة فالأخص فمجتمعه الأكبر العام هو ما تسعى إليه مبتدءات التربية والتنشئة ومن ثم منهج الحياة في سياستها وتعليمها وعلاقاتها المتبادلة في أساليب المعاش والرزق والعمل والجيرة والصحبة والتزاوج، في الحياة العامة تحت سقف البيت، أو مظلة الشارع، أو أقبية المساجد ومؤسسات الحياة الاجتماعية مدرسة، دور عمل، وخدمات عامة. حيث يكون الإنسان وحيث يمارس شهيقه وزفيره. إذ حيث يتحقَّق تكيُّف المرء مع من وما حوله فإنَّ إحساساً بالغربة لن يكون، وحيث تكون الفجوة، والتَّباعد، والتَّنافر يكون الإحساس بالغربة والتَّوحُّد ولا تحلو الحياة. الآن، يبدأ السؤال: لماذا يشعر شبابنا بالغربة؟، وما دواعي هذه المشاعر ومبعث الإحساس بها؟! أين الشخص البوصلة، داخل البيت الذي بيده المفتاح الذي يؤدي إلى الدرب السَّالك المؤدِّي إلى تواصل وشائج الإحساس والتفكير بين الأفراد داخل المنزل، ثم أين المنهج المعاشي في علائق الآخر بالآخر في المجتمع الأكبر؟ ما نوع التَّضارب الفكري في متلقّيات الإنسان التي من شأنها أن تدنيه من الآخر وتُرضيه، أو تقصيه ولا تُرضيه؟ أوليست الغربة هي فقدٌ لهذه البوصلة؟ من يدخل معنا في الإدلاء بشيء في هذا الشأن؟ والموضوع لا يزال قيد الاستمرار.
|