حينما يتعاهد ثلة من هواة الأدب العربي، على مذاكرة أفانين الأدب الأصيل، وتراث ماضيه، وعيون أخباره، ومسامرة أطرافه.. في مدينة ساكنة النفس، تعيش مع الآخرين بصمت، دون الخوض مع الخائضين في معامع التطرف بنوعيه، أو التغلي بأحكام دينه، لا شك أنها بذاتها لها نكتة تنكت على صفحة التقدير والنظر بعين النصيب المستحق. هي محافظة المجمعة، فكما جمعت وديان قُراها في بطنها والماء حياة وهي حياة جيرانها فقد جمعت في هذه الأيام وديانًا أدبية، رجال هووا الأدب، وشغفوا بحبه، فمن أشعاره تتمتع أذواقهم، ومن نثره تتوهج ضمائرهم. والأدب روح الحياة ونسيمها، فمن منا لا يحب الأدب؟ ومن منا لم يخطر على باله ترانيم يطرب لها؟ وأهازيج يأنس بها، وأشعار تلامس شعوره، وكأنها تحكي عنه، تنبثق من خوالجه، وتسلي أطياف حزنه، أو تزيد من فرحه، وإن لم يكن من هواة الأدب فلا بد له أن يتصادف مع كلمات سمعها أو قرأها، أو فاضت بها نفسه. كل الخلائق هم أدباء، إما من أنفسهم فاض الأدب ولأنفسهم يعود، أو من أنفسهم لأترابهم لا يتعداه إلى غيرهم، أو للناس عامة، فكلٌ يهوى الأدب ولكن بطريقته الخاصة، ومزاجه المألوف، فمنهم المهتم به ومنهم المنسل عنه إليه، ومنهم دون ذلك. الطير - أخوتي - لا ينهض ولا يحلّق إلا بجناحين، وكذا اللغة لا تنهض ولا ترتقي إلا بالأدب، و(إيجاز) هذا، هو طير فرش جناحيه على وديان مدينته، وعلى سهول لغته كل اثنين بعد اثنين من أيام الأسبوع، وطفق يحلق على أغصانٍ خضراء، محلها الرقي باللغة، وصقل أذواق المتأدبين وهواته. ومن إيجازه أنه يلتقط من أثمار كل شجرة، دون إسهاب ولا تبحر، لذلك جاء (إيجاز). شكر الله كل من وضع له لبنة، ونهض بقواعده حتى صار في عيون هواته، ملتقى المعرفة المثمرة والعلوم المتبصرة. والحلم الكبير في قلوب هواته، بأن ينمو هذا الملتقى ويكبر ويشب حتى يكون فتًى فتيًا، وعودًا قويًا، ويصبح ناديا عريقا، وملتقى الأدب البريق.
|