يركز المجتمع الدولي ممثلاً في الدول الكبرى صاحبة الفيتو في مجلس الأمن في تعاملها مع السودان على نهج العقوبات لإجبار الخرطوم على السلوك وفقاً لتطلعات تلك الدول وليس وفقاً للأحوال على أرض الواقع، وفيما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بمعاقبة مرتكبي مخالفات في إقليم غرب السودان فإن قراراً جديداً يتوقع أن يصدر حول المكان الذي ينبغي أن تجري فيه محاكمة مسؤولين عن الفظائع في ذلك الإقليم، لكن خلافات عميقة بين فرنسا والولايات المتحدة تعوق صدور القرار. وفي مجمل هذه التحركات تغيب بشكل واضح الجهود التي من شأنها دفع محادثات السلام المتعثرة بين الخرطوم والمتمردين إلى الأمام، فمن الواضح أن هناك حاجة ماسة لتحرك دولي مكثف بهذا الشأن لتحريك الجمود المسيطر حالياً على المفاوضات، إذ إن ذلك سيكون مفيداً جداً لحلحلة المسائل العالقة ربما دون الحاجة للعقوبات، التي لا تفتأ تطل برأسها في كل قرار بشأن السودان.. العقوبات الواردة في نص القرار الجديد تغل يد الخرطوم وتحد من عملياتها العسكرية في ظل أوضاع حربية بشكل عام، مما يعني إفساح المجال أمام مختلف التشكيلات المنظمة خارج البناء العسكري الرسمي إلى تنشيط عملياتها من أجل حماية نفسها في ظل التقييد الدولي لحركة القوات الحكومية.. إن إطالة أمد الصراع في دار فور دون الوصول إلى تسوية حاسمة ينعكس سلباً وبصورة متفاقمة على مواطني الإقليم، وسيكون من المهم الاستفادة من تجربة المفاوضات التي أثمرت تسوية بين الخرطوم والحركة الشعبية والتي وضعت حداً لحرب جنوب السودان في يناير الماضي، وهو أمر يحظى بقناعة لدى مختلف الأطراف السودانية. ففي تلك التجربة التي أفرزت نتائج مهمة ألقى المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الإيقاد بثقله وراء عملية التفاوض، وضمت الإيقاد دولاً أفريقية لكنها شملت أيضاً دولاً غربية كأصدقاء لها وبين هذه الأخيرة الدول المؤثرة في عالم اليوم. ومن خلال عملية دءوبة استمرت أكثر من عامين جرى ترتيب تسوية، أجمع المراقبون، وقبلهم السودانيون على أنها تصلح للتطبيق إزاء كل الصراعات في السودان، إذ إنها تعتمد بشكل رئيسي على عنصر تقسيم السلطة والثروة.. ولا أحد يتطلع إلى تجاوز المعضلات القائمة بما فيها محاسبة المسؤولين عن فظائع بإقليم دارفور فقد يسهم ذلك في إزالة الغبن من النفوس، لكن يبقى من المهم أيضاً عدم الانتظار طويلاً على حساب الذين يتأذون كثيراً من استمرار الأزمة بينما تتواصل الخلافات الفرنسية الأمريكية حول كيفية المحاكمة وتحت أي مظلة.