قبل أربعة عشر قرنا - تقريبا - وفي مثل هذا اليوم أمر رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة بعد أن تعرض للأذى من بعض ابناء قبيلته قريش لمعارضتهم لدعوته التي انزلها الله رحمة للعالمين.. وكان موعودا بالانصار في المدينة التي استقر فيها واصبحت منذ ذلك الوقت منطلقا ناجحا لدعوته الصادقة ومشرقا لنور الهداية التي جاء بها من عند ربه فتحررت الانسانية من مفاهيم الضلال وعبادة الأوثان، إلى أن كتب الله لها أن تعم البشرية الا من صرفت قلوبهم عن الايمان وحرموا من رحمة السماء. وقد شملت دعوته حتى الذين قاوموها في البداية عندما صاحبوها في النهاية وانتصروا لها من الأضداد إلى أن ساهموا في اقتلاع جذور الشرك وعبادة الأصنام إلى أن جرد الجميع عبادتهم لله وحده. فلم يعد هناك - وخاصة في جزيرة العرب - من يعارض الدعوة أو يناصر الضلال. فكانت بعثة محمد عليه الصلاة والسلام رحمة أنزلها الله من السماء على أرض العرب فطهرها وأحيا أمته بالايمان من بعد موتها بالجهل وعبادة من دون الله. ولم تكن دعوة محمد مغلفة في عنصرية أو اقليمية ضيقة بل هي رسالة للأمم كافة فقد ارتوى من منهلها العذب أمة العجم مع العرب وامتدت إلى الصين شرقا والى الساحل الأطلسي غربا.. ولم تنته بموت محمد صلى الله عليه وسلم بل لا زالت تواصل غرسها في أفكار أمم الأرض كافة وتصارع اعتى المبادئ وأعنفها في الشرق والغرب وتتغلب دائما على خصومها ومناوئي امتدادها.. ولعل أقرب دليل لذلك ما احتوته احصائيات حج هذا العام حيث ضمت مشاعر المسلمين في بطاح مكة الأصفر من الصين والأسود من القارة الافريقية والأبيض من اوروبا والامريكتين وهذا يدل على الغلبة والنمو المثمر المستمر لهذه العقيدة القرآنية السامية!! وقد كانت جزيرة العرب ولا يزال معظمها صحراء قاحلة يندر فيها الزرع ويشح عنها الضرع ومع ذلك ومنذ أن حلت بركة السماء على صحرائنا والخير ينمو على أديمها الطاهر فلا يمر عام الا وتتفتق الأرض رغم صلابتها عن ينابيع غناء مقتلعة ركائز الفقر والانحطاط الى حيوية وعلم وازدهار. انه نبع الأرض بالخير يواكب رحمة السماء التي حلت واستقرت على أرضنا.وعندما نتصفح سيرة الرسول الأعظم في مطلع هذا العام الهجري الجديد فانما لنتدبر تاريخ النبوة ونظهر شكر الله على ما خص بلادنا هذه به من شرف عظيم يحمل عبئ الارشاد وفتح المعاهد والجامعات الاسلامية ولنعتبر بما يسره الله من مصادر الرزق التي تتعدد وتتعاظم عاما بعد عام إلى أن انتزعت القمة بين دول العالم المنتجة للبترول واكتمل بناؤها الاقتصادي بثبات عملاتها حيث تزعزع بناء غيرها.فإلى أعوام مديدة ونحن نرفع اكفنا إلى الله أن يحفظ لنا ديننا ويتم علينا نعمه في أمن ومحبة وسلام.
|