مما تجب العناية به في حياتنا العامة والخاصة ما يسمى (ترتيب الأولويات) وأجزم أن هذا مما يحتاج إليه الرئيس والمرؤوس والكبير والصغير والمتعلم والجاهل. ولا يختلف العقلاء على أن من شؤون الحياة ما هو مهم ومنها ما هو أهم، كما قرّر فقهاؤنا أن من أمور الدين ما هو واجب ومنها ما هو أوجب.. ومن ذلك أن طلب العلاج من المرض واجب، ولكن اجتناب أسباب المرض أوجب، والتوبة من الذنب واجبة ولكن اجتناب المعصية أوجب. وليس هذا الأمر مقصوراً على المسلمين بل هو حقيقة قررها وطبقها الباحثون والعلماء من شتى الملل والأديان. ولن تجد عناء في البحث عن الشواهد لذلك.. فقوانين الدول وسياساتها الإدارية والاقتصادية والاجتماعية مليئة بالشواهد والأحداث التي تدل على أن القوم يرتبون الأمور حسب أهميتها ودواعي الحاجة إليها. ونحن في العالم الإسلامي في أمس الحاجة إلى هذه الحقيقة كي تستقيم أحوالنا وتنهض مجتمعاتنا، وننفض عنّا ذلّ الانهزام وألم الفقر والتبعية للشرق أو الغرب. والنهوض بهذا الأمر وتطبيقه في الحياة من واجب الفرد كما هو واجب الجماعة، ومن واجب الشعوب كما هو من واجب الحكومات. وليتأكد الدور المهم لتطبيق هذه الحقيقة (ترتيب الأولويات) أشير إلى مثال صغير من حياتنا اليومية، وهذا المثال من عمل البلديات وأمانات المدن، فإننا نرى - وذلك من حقنا - أن من واجب البلدية ردم الحفر في الطرقات وإزالة ما فيها من أذى، وأنه يجب أن يكون ذلك من اهتماماتها اليومية العاجلة.. ولكن العقل والحكمة تقول: إنه أوجب من ذلك البحث في أسباب وجود الحفر وذلك أولى بالبحث والعلاج، وحينما يطبق ذلك ستقل الحفر ثم تنعدم بالمتابعة الدقيقة ونوفر جهداً ووقتاً ومالاً!! ومما يثير العجب في الأيام القريبة الماضية أن عدداً كبيراً من حملة الأقلام وفرسان الكلمة الصحفية و(المحللين) في القنوات الفضائية سطروا أحرفا حزينة في أمر على قدر كبير من الأهمية (بزعمهم) وهو مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية.. وساق أولئك ذكوراً وإناثاً عدداً من الدواعي لذلك المطلب، منها: أن المرأة (نصف المجتمع)، وأنها معطلة لا يؤخذ رأيها، وأنها (نجحت) في المشاركة في أعمال مماثلة في بعض الدول، وأن الدين لا يمنع من مشاركة المرأة في أعمال خارج البيت وقد حصل مثل ذلك في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودواع أخرى بعيدة جداً عن ديننا وطبيعة حياتنا وأهمها أن مشاركة المرأة مع الرجل أمر سيفرضه (كما يعبّرون) الزمن، ويقتضيه تطور الناس والحضارة بغض النظر عن الدين والعرف وغيرهما. ولست هنا بصدد مناقشة الموضوع مناقشة وافية، ولن أجيب عن كل قول في ذلك، ولكنني أسأل من يطرحون موضوع مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية: كم عدد الرجال الذين يحق لهم التصويت ولم يسجلوا أسماءهم في مدينة الرياض فقط؟! إن الإحصائيات تقول إنهم حوالي ستمائة ألف رجل..!! ولم نجد كاتباً أو كاتبة بحث هذا الأمر وناقش أسباب إحجام أولئك عن المشاركة، سوى كلام عام مفاده جهل الناس بالانتخابات وكونها تجربة جديدة لم يعهدوا لها مثيلاً. وهنا يأتي السؤال الثاني: مَن الأولى بالنظر في الأمور البلدية وأعمالها ونشاطها الرجل أم المرأة؟!! ومَن المهيأ لذلك فطرياً وجسمياً ونفسياً؟!! - صحيح أن المرأة نصف المجتمع، ولكن ذلك النصف يعمل أكثر من الرجال ويؤدي رسالة هي أهم وأخطر من عمل بلدي أو غيره وهي كما عبر عنها ديننا (راعية) ومسؤولة عن رعيتها. - من الذي يعدُّ ويربي ويهيئ رئيس وموظفي البلدية لأداء أعمالهم، ومن الذي يربي ويعلم البنات في المدارس والبيوت، ومن الذي يحفظ أسرار البيت وأهله، ومن الذي يعالج ويواسي الرجل وأولاده وبناته - في أحوال كثيرة -، أَوَليست نساؤنا يعملن فيما يتناسب مع فطرتهن وما تدعو إليه الضرورة؟ - أما مشاركة المرأة مع الرجال في غير بلادنا فإنها تلاقي في بلدان كثيرة فشلاً ذريعاً، وتصاحبها مآسٍ ومشكلات نسمع عنها يومياً، من أبرزها امتهان كرامتها وتدنيس عرضها وتشتيت البيوت والطلاق وما يصحبه من مشكلات. وهل يريد من يدعون إلى عمل النساء مع الرجال أن يكون مصير نسائنا مثل أولئك، وهل هي حُفرةٌ يراد إيقاع النساء فيها؟ وعمل المرأة في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خارج بيتها كان مشروطاً بقيامها بواجبها الأساسي أولاً ثم تكون مع زوجها في كل عمل تقوم به خارج البيت أو مع نساء لا يخالطهن رجال. وإذا قيل إن اختلاط المرأة بالرجال أمر سيفرضه الزمن أو الحضارة أو... أو فإن الجواب هيّن إن صدقت النية وصحت العزيمة ووجدت الثقة في النفس.. وذلك أن شعوباً كثيرة ظلّت متمسكة بقيمها محافظة على تميزها في الدين والفكر والسلوك واللباس وغيرها، ولم تستطع تيارات التغريب وموجات (التّحديث) تغيير ثوابت تلك الشعوب في آسيا وإفريقيا وغيرهما. وهل نعجز ونحن أصحاب دين وورثة حضارة أصيلة وفي بلاد لم تطأها - بحمد الله - رِجل مستعمر.. هل نعجز عن أن نبقى محافظين على ما فيه عزّنا ليس في الدنيا فقط وإنما في الدنيا والآخرة؟! بقي أن أشير إلى أن مما قرأت فيما مضى: أن من يدعون إلى المحافظة على القيم ويرفضون التمرد عليها لا يجيدون استعمال ألفاظ ومصطلحات الإعلام العالمي ولا (يتطورون) في أساليبهم وطرق عرضهم ولا يملكون القدرة على التعامل مع كل جديد في الفكر والتقنية (عفواً.. التكنولوجيا). وهنا أسجل اعترافي بأني لم أستطع معرفة ما تعنيه مصطلحات كثيرة، منها: (تكنوقراط) (الليبرالي) (الراديكالي) وغيرها مما يستورد من لغات غير العربية ليطلق في أساليب اللغة العربية، ويستعمله (تفاصُحاً) بعض إخواننا من حملة الأقلام (المتنورين)!! وإلى أبناء لغة القرآن ذكوراً وإناثاً أقدم هذه الأبيات التي قلتها في تقرير الحقيقة التي أشرت إليها في عمل المرأة ومكانتها في المجتمع:
ديننا فخرٌ لمن طبَّقه فبه عزَّت بلادُ العرب أكرم المرأة بنتاً مثلما كانت الزهراء بنتاً للنّبي أكرم المرأة أماً مثلما نالت الخنساء أعلى الرُّتب أكرم المرأة زوجاً همها تنجب الأبطال عبر الحقب تحفظ البيت وترعى أهله ما اشتكت من قلةٍ أو تعب إنَّه الإيمان أعلى شأنها تاجُ طُهر فوق تاج الذهب في جمال الدين أغلى حليةٍ نسب قد فاق كل النّسب يا فتاة الطهر يا أمَّ الإبا دونك النبع فهيا فاشربي |
حقوق المرأة عندنا مضمونة، وهي تعمل فوق طاقتها، ولها أعمال يستحيل أن يقوم بها الرجل، ويجب أن تكون له أعمال لا تشاركه فيها.. ومن رحمة الله ولطفه أن هيأ للمرأة وظائف تتناسب مع طبيعتها وما يمر بها من ظروف حمل وولادة وغيرهما.. وفي ترتيب الأولويات صلاح للفرد والمجتمع.. فهل نحن فاعلون؟!
|