انتقل لبنان إلى طور جديد في الأزمة التي أعقبت جريمة اغتيال الحريري، وهي مرحلة قد تلقي بتبعات كثيرة على المعارضة باعتبار أنها كانت المحرك الرئيسي للأحداث التي قادت إلى استنفار الشارع وتنسيق الجهود والضغوط التي أدت الى استقالة حكومة كرامي.. والمهمة لا تقتصر على المعارضة ولن تكون كذلك طالما أن الأطراف الأخرى تستشعر مسؤولياتها تجاه بلد مثل لبنان تتهدده أطماع المحتل الإسرائيلي وتحيط به مشاكل جمَّة.. ولعل الأهم في مساعي الحل المشاركة الجماعية، لأن الانفراد أو محاولة الانفراد سيعيق فقط تلك المساعي ويزيد من مساحة الاحتقان، فضلاً عن أنه قد يفرز حلولا مبتورة لا تمثِّل كافة الأطراف، لكن لبنان الديموقراطي ذا الخبرة الطويلة في هذا المجال سيكون حريصاً على هذا التمثيل الشامل في الأمور الإجرائية التي تتصل بالمرحلة المقبلة بما في ذلك تشكيل حكومة مؤقتة ومواصلة تحريات جريمة اغتيال الحريري.. ولذلك فإن دور المعارضة التي تتصدر الأحداث يشمل بصفة خاصة، إتاحة الفرصة لصيغة الجماعية في العمل.. وتعطي أحداث الأيام القليلة الماضية فكرة عما يمكن أن تتخذه التطورات، أو ما يأمل الكثيرون ان تتخذه التطورات من مسارات، ويهم هنا بالذات هشاشة الوضع اللبناني وما يمكن ان تفرزه على التطورات، غير أن الأحداث الأخيرة اتخذت نهجاً سلمياً لم يتجاوز الانضباط المطلوب بهذا الشأن بينما كانت الخشية أن تنعكس حساسية الوضع اللبناني على مجريات الأوضاع في الشارع، وفي الذهن دائما وقائع السنوات المريرة للحرب الأهلية.. والمهم دائما سلامة لبنان وإبعاده عن المزالق الخطرة التي خبرها من قبل، لكن يبدو بوضوح أن اللبنانيين كلهم مدركون لخطورة الانحراف عن نهج المعالجات السلمية، وأن الخلافات مهما بلغت بهم فإنهم حريصون على إظهار قدر من الانضباط يسمح لهم بتفادي الأسوأ.. إن سلامة لبنان تأتي على رأس قائمة الأولويات، وهو ما ينبغي على الأشقاء والمحيطين بلبنان أن يركزوا عليه في تعاطيهم مع ذلك الوضع، أما الأمور الأخرى التي تتعلق بالخيارات فهي شأن لبناني خالص، وبالقدر الذي يبتعد فيه الآخرون عن هذا الشأن الخاص فإنهم يسهمون حقيقية في تعزيز السلامة اللبنانية.
|