كثيرا ما ننادي بحل مشكلة البطالة وضرورة وضع الخطط والبرامج المؤدية إلى هذا الهدف، وعادة ما سبق ذلك جدل ونقاش نظريان يستغرقان زمناً طويلاً. ونطالب بزيادة الدخول وضرورة وضع حد لعدم كفايتها للوفاء بالمتطلبات الحياتية اليومية. وهناك الهاجس الدائم من خطورة الاعتماد على مصدر رئيس وحيد للدخل ولذا فإنه لا بد من توسيع قاعدة الدخل وتنويع مصادره. ولا ننسى معضلة السعودة والتي يحلو للبعض تصويرها على أنه متى حلت فكل مشاكلنا تبع. كل هذه القضايا وغيرها تستنفد الكثير من الجهد والوقت والمال، وتعد لأجلها الأبحاث، وتعقد لها الندوات والمؤتمرات والحل واضح لا يكاد يخطئه إلا من أراد ذلك. فنحن لا نحتاج إلى عبقرية ولا إلى خبرات أجنبية لنتوصل إلى ان حقيقة حل الكثير من مشاكلنا يكمن في السعي إلى زيادة إنتاجية عنصر العمل المحلي، وأن نستوعب العلاقة الأزلية بين الأجر والإنتاجية وصعوبة تجاهلها عند اتخاذ أي قرار. ومتى وصلنا إلى هذه القناعة، انصرف الجهد إلى البحث عن مصادر زيادة الإنتاجية وتحديدها وتحديد مقدار تأثير كل منها على مستوى الإنتاجية. ويصبح الأمر بعدها سهلاً يشبه الضغط على زر متى أردنا زيادة الإنتاجية ومن ثم حل المشاكل المرتبطة بها. وإذا كان التعليم والتدريب والتأهيل من أبرز عوامل زيادة الإنتاجية إلا أنها ليست كافية لوحدها للوصول إلى الهدف، إذ لا بد من توافر عوامل أخرى لا تقل عنها أهمية، يأتي في مقدمتها غرس قيم وأخلاقيات العمل وإيجاد بيئات العمل المناسبة من الناحية المادية والمعنوية، تشمل - ضمن أشياء أخرى - آليات فعالة وعادلة لمكافأة المحسن ومعاقبة المسيء. ومن أسوأ انواع الهدر الذي تعاني منه مجتمعات الدول النامية توافر الكفاءات القادرة على الإنتاج والعطاء والإبداع لكنها تحرم من ذلك بسبب قصور بيئات العمل التي توجد بها. الأمر الذي ينعكس سلباً على أدائها ويؤدي إلى انكفائها على نفسها، أو انشغالها بتحصيل أسباب الرزق وفي أحيان كثيرة هجرتها بالكامل إما داخلياً أو خارجياً. وأتصور أن دراسة محددات الإنتاجية والتعرف عليها بدقة في أي مجتمع هو بداية الطريق لحل العديد من المشاكل. وهذا الطريق ليس سهلاً بل هو مليء بالعقبات ويحتاج منا عبوره إلى سنوات عديدة ننفق خلالها بسخاء على تعزيز ودعم هذه المحددات ناظرين إليه على انه استثمار وليس إنفاقاً استهلاكياً.
|