Wednesday 2nd March,200511843العددالاربعاء 21 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الهُوِيّة.. والهاوية...!الهُوِيّة.. والهاوية...!
إبراهيم التركي

(1)
** لم يكنْ هازئاً..
قالها (تشرشل) في وجه (هتلر):
*(نحن في انتظاركم والأسماك..)!
** وفي مقابلهم..
كُنّا سُذّجاً:
فقد انتظرناهم والبحر..
** ملأناه سفيناً ذات جهالة، وهددنا به (يهودَ) ذات ادعاء، وعادت الجهالة بالوهم، والادعاء بالهم، وكانت الثقة انتصاراً..
وصدق تشرشل وكذبنا..!
(2)
** تتساوقُُ مفردات النصر مع إيحاءات الهزيمة، كما تتجلل الهزيمة بافتئات النصر، فبدت (حرب حزيران) التي فقدنا فيها أنفسنا إرهاصاً (لوحدة) و(لاءات) ومعارك استنزاف، وجاءت (تشرين) بنصرٍ ساخر قاد إلى تشتت ونَعَماتٍ واستسلام ..!
** مفارقة ذات دلالة..
فالنكبة مقدمة صحو، والعبور إيذان تراجع، والأجيال السابقة تائهة في معادلة الأضداد، وفي الأجيال الحالية من هم غارقون في هموم (الشهادة) و(البطالة)، أو لاهون في السفر والسهر، ويخاف المشفقون على غدٍ تغيب ملامحه..!
(3)
** لم تستطيع الهزيمة العسكرية إطفاءَ المشاعر القومية، وهدرت الأمة من المحيط إلى المحيط، وكتب مفكروها عن (أسباب النصر في معركة الثأر) - كما في عنوان مؤلف العسكري والمفكر العراقي الراحل محمود شيت خطاب رحمه الله - وكان التخطيط العسكري والوعي الجماهيري والمساندة الإعلامية والاقتصادية والسياسية كفيلة بتحقيق شعار (لا صوتَ يعلو فوق صوت المعركة..!)
** ثم انقلبت (خطى تشرين) - كما عبّر البردوني - إلى (كفن حزيراني)، وحقق النصر (السينمائي) ما لم تستطع الهزيمة تحقيقه، فاخترقت المساحات المضيئة في هوية الأمة، وتسابق الجميع (سياسيين ومفكرين وإعلاميين) - إلا من رحم الله - على أوهام العيش أو التعايش مع مغتصبي الأرض ومدنسي العرض وسارقي الفرح من عيون انطفأتْ ومجهضي الحلم في عيون لما تتفتح..!
(4)
* (ما أرانا نقول إلا معاراً أو معاداً..)..!
** ستقولونها، ويقولها صاحبكم، لتبقى أحسن الكتب - كما قال جورج أورول صاحب روايتي 1984م ومزرعة الحيوانات - تلك التي تخبرك بما تعرفه مسبقاً، ولتظل أزمة الهُويّة هاجساً يفصل الأمس عن اليوم، والجيل عن الجيل، والتأصيل عن البراغماتية..!
** لا مزايدة على شعور (وطنيّ) أو (قوميٍّ) أو (ديني) ليبقى المنتفعون من الحروب سادة المواقف المتبدلة، إذ لا يُهمهم نصر أو هزيمة، ولا تعنيهم قضية أو انتماء، فلهم حسابات تدخل في أطرها مصالح الذات مثلما التوجهات، ويستوي في هذا فردٌ مع تنظيم، وخلايا كما حكومات، وهي التي تقود (الصهاينة) وتحرك المحافظين الجدد، وتُشعل الخلافات الطائفية والعرقية والمجتمعية..!
** بإمكان (يهود) أن يعودوا من حيث أتوا ليعيشوا حيث يشاءون دون أن يصادروا ويسيطروا فلهم هُويّات تجمعهم، ومنافعُ تُظِلّهم، وبإمكان الولايات المتحدة أن تسود وتقود دون أن تقتل وتسحل وتفتح جبهات عدائية هنا وهناك، وبإمكاننا أن نلتئم دون أن نتصادم حول من هو الأحقُّ بالخلافة، لكن مصالح فئويةً توقظ الكامن، والعنف - كما قال داعية سلام أمريكي (أ.جي.موست) -: تجارة رابحة..!
(5)
** مؤخراً أصدر الباحث الأمريكي المعروف (صمويل هنتنغتن) - صاحب نظرية صدام الحضارات - كتاباً جديداً عنوانه (مَنْ نكون: تحديات الهوية الوطنية الأمريكية Who Are We: The Challenges to America's National Identity وفيه ناقش أزمة الهُويّة الأمريكية التي تكادُ تضيع داخل تنامي الأقليات العرقية وفي مقدمتها (اللاتينية) القادمة من أمريكا الوسطى والجنوبية..!
** سيظلُّ (هنتنغتن) مسكوناً بهاجس الخوف من الثقافة الإسلامية بشكل خاص، مثلما هو مترقب للانعكاسات الأيديولوجية والعنصرية على التكوين الأمريكي المختلط أساساً ليقوم دليلاً على من يشكك في عمق أزمة (الهُويّة) التي تواجهها بعض الأمم..!
** وإذْ تبقى عالمية الإسلام حائلاً دون خوف التداخل إذ هو دينٌ للناس كافة فإن ما وراء الانتماء زوايا للمواقف الدلالية التي تضمنُ بقاءَ الثوابت راسخةً لا تنازلَ فيها عن الأرض والثروة والإنسان..!
** هنا مفترق طرق بين (العالمية) - كما جاء بها الإسلام - و(العولمة) - مثلما تروِّج لها أمريكا - ويبدو (هنا) اختطاف الأجيال الشابة التي لم يعد يعي أكثرها منطلقات الحرب وثمن السلام..!
(6)
** يُنسب إلى (روزفلت) قوله:
* (لا بد أن ننتمي إلى علم واحد ولغة واحدة وإلى خطبتي جورج واشنطن وإبراهام لنكولن)..!
** ويستشهد (هنتنغتن) - في كتابه الأخير - بحلم الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) في أن يكون آخر رئيس يتكلم الإسبانية..!
** أفبعد هذا يبقى من يتساءلُ حول ربط العولمة بالأمركة، والتسامح بالتنازل، والتحضّر بالارتماء..
وهل يجوزُ أن نرضى (الدنيّة) أمام من يضحي بجزءٍ مهم من شعبه وثقافته..؟!
** ولأننا من جيلٍ قدر له أن يعرف أمريكا عن قرب، ويعشقها بحب فإننا نرفض - بالقدر ذاته - أن يتم بيعُ الانتماءِ الوطني/القومي/الإسلامي من أجل إرضاء قوة الاستكبار..
ولعلّ في هذا إجمالاً لمشكلة تؤرق أذهان الباحثين عن مقعد تحت الشمس بين الأمم المضيئة..!
** لا تثريب على (أمريكا) فإنما تمارس دوراً أذن لها به التاريخ ليبقى (التثريب) على أمةٍ ارتضتْ أن تكون إحدى أدوات كتابته..!
(7)
** كتب ريتشارد براي نيسبت R.E NISBETT في كتابه (جغرافية الفكر) - الصادر مترجماً عن عالم المعرفة شباط (فبراير) 2005م - : * (بينما كان الأمراء العرب يناقشون أفلاطون وأرسطو، وحكام مدن الصين يكشفون عن براعتهم في جميع الفنون كان نبلاء أوروبا قابعين على الأرض يهبرون قطع اللحم داخل قلاعٍ رطبة..)!
** لن نبكي أو نستبكي.. فهي الأيام يُداولُها الله جل شأنهُ بين الناس، ولكننا غير مطالبين بأن نوقّع مباركين لمشروعات الاستلاب.. ومن يدري..؟ فالتاريخ لم تُطَو صحفُه، والأجيال القادمة لم تفوضْنا لكتابة صفحته الأخيرة..!
*الهُويّة حياة..!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved