قوة الدفع الأمريكية الأوروبية

يمكن للقوة العظمى الوحيدة في العالم الولايات المتحدة أن تفعل الكثير تجاه القضايا الدولية الساخنة إن هي أرادت تسوية دائمة وعادلة في أكثر من نقطة ساخنة على كوكبنا المضطرب، وخلال لقاءاته مع الحلفاء الغربيين في بروكسل قال الرئيس الأمريكي جورج بوش: (عندما تقف أمريكا وأوروبا معاً لا يمكن لأي مشكلة أن تقف أمامنا).
ويبقى أن هذا الكلام صحيح لو توفرت الإرادة السياسية، وعندها يمكن إنجاز الكثير، لكن الإرادة السياسية تستوجب قدراً من العدل، وهو أمر ضروري لإحالة تلك القدرات، الأمريكية والأوروبية، إلى أدوات مناسبة وفعلية للعمل..
فالولايات المتحدة بما تتوفر عليه من نفوذ سياسي وثقل اقتصادي وقوة عسكرية هائلة يمكنها مع القدرات الأوروبية التي لا تقل شأناً أن تنجز مهام السلام العالمي بكفاءة إن هي انحازت إلى الحق.
ولعل القضية الفلسطينية هي معيار ضمن أمثلة أخرى كثيرة لمعرفة مدى ما يمكن الحصول عليه من تضافر هكذا قوى إن هي اندفعت في اتجاه التسوية الشاملة والعادلة، غير أن الأمور لا تسير وفقاً لمنطق العقل ووفقاً لحقائق الأشياء، إذ تنظر الولايات المتحدة إلى إسرائيل المعتدية والتي تحتل أراضي عربية باعتبارها دولة يحيط بها الأعداء، بينما تعامل الفلسطينيين باعتبارهم مجرد إرهابيين يتطلعون إلى إلقاء إسرائيل في البحر.
ولدى الأوروبيين وجهات نظر تختلف عمّا لدى حلفائهم، لكنهم في الكثير من الأحيان ينحازون إلى الحلفاء من أجل مصالح هنا وهناك لا علاقة لها بالمصلحة الفلسطينية أو العربية..
إن مجرد التفاخر بالقوة الهائلة وبالإمكانات الكبيرة دون تكريسها من أجل إنجاز إنساني ذي قيمة عالية أمر لا يجدي، والأحرى أن هذه القوة ستتحول إلى آلة ضخمة للبطش والتنكيل بالآخرين عندما لا تستخدم في الأعمال الخيّرة، وعندها يصبح الحديث عنها ليس أكثر من استعراض للعضلات يستفز الآخرين ويسخر من قدراتهم المتواضعة أمام عملاق هائل.
ومن ثم تبقى المشكلات عالقة تطحن الذين يعانون منها، لكنها لا تفتأ بين الحين والآخر تلقى بإفرازاتها عبر الحدود إلى الدول الكبرى، التي تفاجأ كيف أنها لا تسلم من الإزعاج حتى وهي بعيدة عن مناطق التوتر، ومن ثم تبدأ في تجييش الجيوش وتجريد الحملات العسكرية من أجل القضاء على هذا (الإزعاج) لكنها تجد نفسها وسط مستنقع يصعب الخروج منه، بينما كان بإمكانها مواجهة الأمر بأقل تكلفة منذ البداية.