* اشكاشيم (أفغانستان) - انجي راموس - رويترز: تحتسي جلنامة شمس علي الشاي فيما تحاول تهدئة طفلها الرضيع، بينما جلس زوجها واخواته الأربع يتناولون طعام الغذاء الذي لم يزد عن بضعة كسرات من الخبز في منزلهم البارد والمظلم. وبعد شهرين تضع جلنامة التي لا تزال في الثانية والعشرين من عمرها طفلها الثاني ويمكن أن تفقد حياتها في سبيل ذلك. فأقرب مستشفى يقع على بعد مئة كيلومتر أي مسيرة من أربعة إلى خمسة أيام على ظهر حمار وهي وسيلة الانتقال الأكثر شيوعاً في الريف الأفغاني. غير أن جلنامة التي تأثر وجهها النضر بفصل الشتاء قارس البرودة في مسقط رأسها بإقليم بدخشان لا تبدي قلقاً وتقول: (سألد واترك مصيرهما بأيدي الله.. سينقذهما). وتفيد بيانات الأمم المتحدة أن أفغانستان تسجل واحداً من أعلى معدلات وفيات الأمهات أثناء الولادة وأن بدخشان الفقيرة والنائية بها أعلى معدل سجل في أي مكان في العالم، إذ تموت أم في كل 15 عملية وضع. وليس صعباً معرفة السبب. ويتمتع الإقليم بجمال خلاب فتغطي الخضرة الجبال المرتفعة والوديان العميقة في الربيع والصيف ويتحول لونها إلى الأحمر في الخريف والأبيض في الشتاء.. غير أن هذا الجمال يخفي فقراً مدقعاً وغياب البنية الأساسية ونقص العاملين المدربين في مجال الصحة ونسبة أمية مرتفعة وضغوط اجتماعية على النساء لإنجاب عدد كبير من الأطفال. وتدير طبيبة النساء هجرة ضياء باهارستاني مستشفى الولادة الوحيد في بدخشان ويضم 20 سريراً في العاصمة فيض آباد ويتعذر على معظم النساء في سن الوضع في الإقليم ويبلغ عددهن 230 ألفاً الوصول إليه. وتقول باهارستاني: (ربما يأتي أطباء من أقاليم أخرى إلى هنا إذا كانت الطرق جيدة ولكن ليس هناك من يأتي في الوقت الحالي.. نحتاج مساعدة). ومعظم النساء اللائي يعانين من مشاكل أثناء الحمل ويحاولن الوصول إلى المستشفى من أماكن نائية يمتن خلال الرحلة الطويلة عبر ممرات جبلية غير ممهدة. وتحصل النساء اللائي ينجحن في الوصول على أقصى رعاية يمكن أن تقدمها باهارستاني والعاملين في مستشفاها وهم خمسة أطباء وحفنة من الممرضات. ولكن لا يمكن تقديم الكثير. وتقول باهارستاني: (لا يوجد أوكسجين هنا وليس لدينا أطباء تخدير متخصصين). وتجري باهارستاني وفريقها المثقل بالعمل جراحات معقدة مثل عمليات ولادة قيصرية باستخدام إضاءة من مولد متداع للطوارئ. وتضيف (نحتاج مضادات حيوية لأن المريضات يجئن في حالة سيئة جداً).ورغم زيادة المعونات الأجنبية في السنوات الثلاث التي أعقبت الإطاحة بنظام طالبان وجهود الأمم المتحدة لتسليط الضوء على مشكلة وفيات الأمهات أثناء الولادة فإن الوضع لا يزال حرجاً. ويقول خبراء: إن حصول الأمهات الأفغانيات على رعاية ملائمة يحتاج إلى عقود. ويقول الدكتور جيفري سميث الذي يعمل في مشروع تابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للتوسع في الرعاية الصحية الريفية في أفغانستان تحت إشراف جامعة جونز هوبكينز: (إنه أحد الأشياء التي لا يمكن أن نغيرها بين عشية وضحاها). وتابع (قضية وفيات الأمهات قضية تتعلق بالبنية الأساسية وينبغي أن ندرب العاملين المناسبين... ونوزعهم على المناطق الريفية). وفي الآونة الأخيرة افتتح المشروع مدرسة للقابلات لتدريب النساء في فيض آباد ليعدن لقراهن لمساعدة الحوامل في عمليات الولادة المعقدة. وأحد الأوليات توجيه النساء للتعليم وتنظيم الأسرة ولكنها أيضاً معركة طويلة رغم الجهود لتحسين حقوق المرأة منذ الإطاحة بطالبان غير أن أقاليم مثل بدخشان مازالت تعاني من ضعف نسبة تعليم النساء وتصل إلى خمسة بالمئة فقط. وحكاية حسيمة (22 عاماً) متكررة فقد تزوجت في الحادية عشرة من عمرها من رجل في الثلاثين من عمره ووضعت منذ ذلك الحين تسعة أطفال ماتوا جميعاً نتيجة سوء التغذية بصفة أساسية باستثناء واحد.
|