التقديرات الأولية لما تم إنفاقه ظاهرياً على الحملة الانتخابية لمجالس البلديات تقول إن أكثر من مليار ريال قد تم إنفاقها بسخاء على الحملات الدعائية والولائم والعرضات والندوات والقصائد الشعرية التي جاء بعضها مهلهلاً. في كل مكان في العالم يتم إنفاق المبالغ الطائلة على الحملات الدعائية الانتخابية، وقد تصل تلك المبالغ إلى أرقامٍ قياسية كما حدث أخيراً في الانتخابات الأمريكية، لكن الفرق أن كل مرشحٍ في الدول المتقدمة يقدم برنامجاً انتخابياً واضحاً تتم مناقشته علناً ويفسح فيه المجال للمعارضين قبل المؤيدين لإبداء الرأي والنقد والتعليق، وكم من المرشحين استفادوا من الانتقادات التي وجهت إلى برامجهم الانتخابية، وأخذوا من ذلك عبرةً لتحسين الأداء أو تعديل ذلك البرنامج. ولكن الأهم من كل ذلك أن هؤلاء الذين يتم انتخابهم يخضعون لمراقبة ومساءلة شعوبهم الذين صوتوا لهم، والذين لم يصوتوا لهم أيضاً، ولا تشفع لهم حين يخطئون أو يخفقون كل الملايين التي أنفقوها. فهل وقر في أذهان مرشحينا قبل وأثناء الانتخابات ما يترتب عليهم من أعباء ومسؤوليات في موازاة فرصهم واستعراضهم لقدراتهم الإنفاقية لكي يصلوا إلى تلك المجالس؟ وهل وعى هؤلاء أيضاً أن في انتظارهم مسؤوليات جساماً لخدمة الناس في أحيائهم وفي وطنهم، بحيث يقدمون تلك الخدمة على المصالح الشخصية (والمشالح الجديدة) التي ستعج بها المكاتب بعد الانتخابات؟! الأمل يحدونا بأن نعمل جميعاً مرشحين ومصوتين على إنجاح التجربة الأولى في مملكتنا الفتية، وليسمح لي هؤلاء أن أنبّه إلى دقة وخطورة المرحلة القادمة من الأداء والعمل، فإما مواصلة الحياة الديموقراطية وتطويرها، وإما الانكفاء مرة أخرى إلى الوراء وهو ما سيكون لا سمح الله الأخطر في مسيرتنا الجديدة. وإلى أن تقوم المرأة بدورها الكامل في هذه الحياة الديموقراطية مستقبلاً، فإن أداء هذه المجالس سيكون له الدور الكبير والواضح في حفظ حق المرأة في التصويت والانتخاب في المجالس القادمة، خاصة أن المرأة السعودية لم تقف من هذه الانتخابات موقفاً سلبياً، بل أملت فيها الخير، وفتحت المجال واسعاً أمام أشقائها وأبنائها للسير في هذا الدرب الإصلاحي. المطلوب من المنتخبين أن يغلّبوا مصلحة الوطن والمواطن، وألا تشغلهم مسمياتهم وسيرهم الذاتية عن الواجب الذي من أجله وصلوا إلى مقاعدهم في المجالس. عليهم أن يفهموا أنهم لم يصبحوا أعضاءً بأموالهم، ولا بشهاداتهم، ولا بوظائفهم، ولا بعلاقاتهم. هم أصبحوا كذلك بإرادة الناس من حولهم، وبحب الناس لهم، وبرغبة الناس في أن يصلح حالهم بهم، عليهم إذاً أن يكونوا عند حسن الثقة فيهم، وألا يتجاوزوا المعيار الحقيقي لنجاحهم، ألا وهو خدمة الناس والوطن، والعمل الدؤوب على التخطيط لمستقبل أفضل انطلاقاً من حاضر أزهى بعون الله. قلتم انتخبونا.. فانتخبناكم.. وأوليناكم ثقة ما كنا نوليها من قبل.. ونحن كلنا الآن في انتظار ردكم، ليس من قبيل رد الجميل، ولكن من قبيل أداء الواجب.. وتاليتها!!.
فاكس: 2051900 |