هذه الالتفاتة حول شجرة الوطن... عناية فائقة تأتي لتعزيز الثمار... قبل أيام كنتُ في الأحساء... ثمَّ في الدَّمَّام... ثم في المنطقة الغربية... بين ثلَّة في جدة، وثلَّة في مكة... كانت الطاولات المستطيلة... والأوجه التي تصغي إلى ما تبثه مكبرات الصوت القادم من نحوها تلتهم الكلام التهاماً... كانت تلتف حول خاصره شجرة الوطن... لم يكن الوطن ذات همسة إلاَّ نبضاً...، إلاَّ صوتاً, إلاَّ عملاً... تلك محجَّة المؤمن الذي علم أنَّ له ربّاً كلَّفه بعمار هذه الأرض، ويرقبُ أداءه، ويعلم خفاياه... هذه الالتفاتة، مبعثها (أحداث) طارئة... وحين أقول (طارئة) فإني استشرف ما انتهيت إليه من (نتائج) هذه الالتفاتة حول شجرة الوطن... الناس تشرب طعم الوطن وتتذوَّق رحيق الوطن وتطمئن إلى سكن الوطن وتستقر إلى كنف الوطن وتتمثَّل الإحساس به كلُّ ذلك يندرج وفق معاشها عملها، تفكيرها، صمتها، ونطقها لكنَّها تمشي مطمئنة لا تتفوَّه كلمة الوطن إلاَّ حين شيئين: أحدهما: أنْ يفرح الوطن، حتى إنْ جاءت فرحته بفوز منتخبه في لعبة ككرة القدم يتحلَّق الناس حول الشَّاشات وفي الساحات ويصرخون ويتعالى اسم الوطن، ليس بالصوت المسموع فقط، بل بالحركة والانفعال، والتَّلاحم. وثانيهما: أن يُجرح الوطن، فتنهض له الأقدام والأكتاف، وتتصاغر الرِّقاب... كلُّ يقطر في عرق الوطن من دمه: خوفاً، حباً، دعاءً، وتتلاشى الذَّوات في ذات الوطن... هذه الالتفاتة حول شجرة الوطن جاءت حين الآخر من الشَّيئين طغى على سطح الوطن...
|