بدأ العام الهجري الجديد، وبدأت معه رحلة جديدة للبشر على كوكبهم الدائر الصغير، الكوكب الذي تغلي بحاره ومحيطاته، وتثور براكينه وزلازله، وتهب رياحه وأعاصيره، وهو يعاني من طغيان الإنسان الذي يعيش فوقه غافلاً عن ربه، مغروراً بوسائله العلمية الحديثة التي فتح الله له بعض مغاليقها ليبلوه أيشكر أم يكفر؛ الكوكب الذي يكاد يتمزق أسفاً، ويتشظَّى ألماً وحسرة لما يشاهده من مكابرة الإنسان وعصيانه لربه، وانحرافه عن منهج خالقه، وانسياقه وراء هوى نفسه؛ الكوكب الذي يرى أبواب العلم تفتح على مصاريعها بتوفيق من الله وفضل، ثم يرى الإنسان يستغلُّ ذلك للظلم والعدوان، وإشاعة الفتن والخلافات، ومظاهر الفساد الديني والفكري والخلقي والاقتصادي، حتى أصبح الالتزام بالحق جهاداً يحتاج إلى صبر وقوة إرادةٍ وثبات جنان، ومدافعة مستمرة لأهل الظلم والعدوان. بدأ العام الهجري الجديد (1426هـ) وسؤال على شفة الأمل يقول: هل سأجد في أيام هذا العام وأسابيعه وشهوره ميداناً أركض فيه حراً كريماً لأسعد قلوب العالمين؟!، وسؤال آخر على شفة الحقيقة يقول: هل سيفتح لي هذا العام الجديد منافذ النور لتراني العيون الغافية ولتشعر بإشراقي النفوس الغافلة، والقلوب المريضة؟ وسؤال آخر على شفة العدل والإنصاف يقول: هل سأجد طريقي إلى مؤتمرات العالم ومهرجاناته، ولقاءاته الدولية، وهل سأسعد بإنصاف مظلوم من ظالم، ونصر مسلوب على سالب، وإعادةِ حقٍّ إلى أصحابه، وسؤال رابع وخامس وألف، تردَّد على ألسنةٍ كثيرة تبحث عن إجاباتٍ صحيحة مقنعة مع بدايات هذا العام الجديد. يالها من أمنيَّة تائهةٍ في ظلمات جرائم هذا العصر!.. ويالها من أسئلةٍ ضائعة أمام الأباطيل والأكاذيب. إنه (عصر جرائم)، لأن الإنسان فيه قد خلع ثياب إنسانيته، ولبس جلود جميع الحيوانات المفترسة والزواحف والثعابين، وحوَّل حياة الناس على كوكبهم الأرض الصغير إلى جحيمٍ من الفتن والأهواء، والضلالات والانحراف، ونشر بينهم حياة الوحوش في الغابات التي يصطاد فيها القويُّ الضعيف والكبير الصغير، فلا أمان فيها لمن وهنت قوَّتُه، أو تضاءلت قدرته، ولا استقرار فيها لمن التزم بالحق في مواجهة الباطل، وبالصدق في مواجهة الكذب. حروبٌ دامية، وتفجيرات ظالمة، ووحشية بشرية غريبة تحوِّل البيوت إلى ركام، والمصالح إلى مفاسد، ومواكب سيارات الآمنين إلى أكوام محترقة من الحديد الملتهب -وما موكب الحريري عنا ببعيد-.عصر جرائم لأن معظم الناس فيه سلكوا كلَّ طريق إلا طريق الحق، طريق الصدق، وطريق الإيمان بالله رب العالمين، إيماناً ينفي عن أصحابه الكفر، والفسق، والظلم والطغيان. (عصر جرائم) لأن الإنسان التائه فيه رضي أن يكون مجرماً منذ أن أحلَّ ما حرَّم الله، وحرَّم ما أحلّ، ومنذ أن جعل المال سيداً معبوداً، وبهرج الحياة الدنيا هدفاً منشوداً. اللهم إنا نعوذ بك من شرِّ قومٍ حوَّلوا نعمة هذا العصر إلى نقمة، ونور العلم فيه إلى ظلمة، ونسألك الهداية والرشاد، وصدق اللجوء إليك يارب العالمين. إشارة
فلا خير في دعوى الصمود لخاضع ولا في سراجٍ لا يضيء الغياهبا |
|