كنتُ في طريق العودة من الجامعة عندما رنَّ هاتفي الجوال على غير العادة، وإذا بها خالتي تحدثني من الرياض، فور سماعها صوتي جاءت عبارتها المفزعة: (عظّم الله أجرك) تزف خبر استشهاد الرئيس رفيق الحريري - رحمه الله -. لم أصدق الخبر وطلبت منها أن تكف عن مزاحها الثقيل! إلا أنها أصرت أن تؤكد لي الفاجعة.. لم أملك حينها إلا أن أترحم عليه أدعو له بالمغفرة فالموت حق علينا نحن البشر... وأنهيت المكالمة. شققت طريقي إلى المنزل وسط الصقيع وتحت زخات المطر (وبت معتادة على هذا المسير) إلا أن عبارة خالتي ظلت ترن في أذني وأخذت أحدث نفسي... (معقول؟!... مات؟... لا اغتالوه؟ معقول؟!!) اعتصرني الألم والحزن أكثر بكثير مما كنت أتصور.. (أأنا أدخل نفسي بالسياسة التي لا دخل لي فيها أم يحق لي أن أجهش بالبكاء لرحيله؟... صحيح أن الموت حق لكن لِمَ هذه الوحشية؟)... وصلت إلى المنزل وقد شتت أفكاري واختلطت علي مشاعري. أتعرفون معنى أن تحبوا شخصاً دون حتى أن تلتقوه؟ لماذا يخيل لي أني أعرف هذا الرجل؟ ما بال قلبي ينقبض ألماً وحسرةً؟ آه.. ما أجمل هذا الحب الطفولي الذي يجمع بين طالبة ورئيس وزراء! لعل الحريري لا يعلم أني أحببته من خلف مقعدي الدراسي.. في تلك المدرسة التي ارتدتها أكثر من اثنتي عشرة سنة.. نعم، كنت طالبة في (مدارس نجد) التي تزين الرياض.. ذلك الصرح العظيم الذي أنشأه الراحل.. عمل إنساني كهذا ليس غريباً على إنسان كالحريري.. واليوم ورغم رحيله ستبقى مدارس نجد مناراً يشع بالأمل.. وسنبلة حب غرست بأيدٍ تؤمن بمستقبل الأجيال. سنصبح ونمسي ونحن نحمل أكبر امتنان لرجل نقش على صدورنا العلم اليقين عندما كنا لا نكاد نتقن المسير. ثمة أناس كالحريري... يرحلون قبل الأوان (ولا اعتراض على قدر الله)، لكن لعلنا بعد رحيلهم.. ندرك ما كانوا عاجزين عن إبلاغنا... لعل من خلالهم ندرك ذاتنا... لعل الإنسانية ترتقي بفكرهم، فقليل من فلسفتهم يضفي علينا جمالاً وكمالاً ويخلصنا من جهلنا وشرور أنفسنا. لعل ذلك الحب الذي حملوه يكسونا.. ليؤكد أن للإنسان وجهاً ملائكياً رغم كثرة الوحوش بيننا! إنهم لم ولن يغتالوك يا رفيقنا... فقد خفيت عنهم أعظم حقيقة... ستبقى قلوبنا تنبض بحبك... وستبقى في قرارة أعيننا خالداً... يا سيدي ... لعلهم يتساءلون: مَنْ هي ذا (شيهانة) لتدلي بقولها؟.. لكن أليس من حقي أن أقدم شهادة حب وعرفان بك أيها الإنسان... هل لي يا سيدي أن أبعث لك بزهرة توضع على قبرك... تعلو ذلك الثرى الذي يغطي جبينك الطاهر... ولا تخشَ... فإن ذبلت الزهرة فسيبقى أريجك... ليرحمك المولى ويسكنك فسيح جناته ...
شيهانة العزاز |