لنترك التاريخ يحدد مصير وارث الحريري، فمن طبع العرب بصفة عامة تقديس الاموات، والعاطفة الجارفة عند فجيعة الموت، وأنا ادخل في إرث الحريري السياسي، فقد يؤرخ له بعد عشر او عشرين سنة على انه رجل الاستقلال الثاني للبنان بعد رجله العظيم وعميد استقلال لبنان الأول الشيخ رياض الصلح، فهو من مهندسي اتفاقية الطائف التي جلبت الأمن والسلام والاستقرار الى لبنان، وهو من المساهمين في نهضته وعمرانه الحالية. ولكن الذي لفت نظري ليس إرثه السياسي ولكنْ شيئان فلنبدأ اولاً بالاهم: 1- ارثه العائلي كما يقال في الغرب، فالرجل الذي يستطيع ان يحكم بيته يستطيع ان يحكم وطنه، فلم اصدق ان ابناءه من زوجتين السابقه ام بهاء الدين الحريري والثانية السيدة نازك الحريري، إذ لا يستطيع المشاهد ملاحظة أي اختلاف بين أبنائه أو تميز بينهما، فالكل متساوون وكأنهم من أم واحدة، والكبير يحترم الصغير، والادهش احترام ابنائه جميعاً لعمهم الكبير وتقديمه عليهم، واحترامه كأب وكعميد للأسرة، والعم الحبيب شفيق يتجلد بالصبر بفجيعة اخيه ويتناسى احزانه ويدفنها في قلبه لمواساة ابناء شقيقه الشيخ رفيق الحريري. ولا ننسى شقيقته النائبة بهية الحريري، فهي كانت كأم لجميع عائلة الحريري، بمن فيهم أبناؤه، فلينعم الشيخ رفيق الحريري في مماته، فقد كان نعم الولد لأبيه وأمه، ونعم الأخ ونعم الأب والزوج، أما أعماله العديدة فلنترك للتاريخ تقييمها، ولكن أعتقد أن من أهم أعماله تنمية المواطن اللبناني واعطاؤه سلاح العلم، فالمواطن أغلى ما يملك الوطن، وقد تنبه الشيخ رفيق الحريري لذلك فنرى مؤسسته الخيرية وقد ساهمت في بناء المواطن اللبناني بتدريسه وابتعاثه للخارج وعند رجوعه يخدم وطنه ويسدد دينه بدون أي فوائد، أين أغنياء وطننا من ذلك؟ هل نترك الحكومة تقوم بكل شي نيابة عنا؟ لماذا لا يساهم اصحاب المال في بناء المواطن السعودي واستقطاب المتفوقين منهم، وعند رجوعهم للوطن لتقديم ما تعلموه وخدمة وطنهم يقومون بتسديد ديون ابتعاثهم بقروض سهلة ميسرة بدون أي فوائد؟ دعوة للجميع وبخاصة لرجال الاعمال في المملكة العربية السعودية بالمساهمة في بناء وتعليم المواطن السعودي المتفوق، وكذلك فتح مستشفيات خيرية للخدمات الصحية، دعونا هنا نقتبس من إرثه الانساني ومسيرته كمواطن أحب لبنان وأبناء لبنان، وقدم خدمات كبيرة لهم، فليرحمه الله رحمة واسعة.
|