* الجزيرة - لندن: أقيمت صلاة جمعة الأسبوع الماضي في مسجد شمال لندن المركزي - الذي شاع بين وسائل الإعلام باسم مسجد فينسبري بارك - في أجواء لم يشهد المسجد مثيلاً لها منذ سنوات، أي منذ أن وقع المسجد ضحية لاستغلال فئة من المتطرفين بزعامة المدعو (أبو حمزة المصري) المعتقل حالياً في معتقل بيل مارش جنوب العاصمة البريطانية لندن بانتظار محاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب. تدفق المسلمون على المسجد من كل حدب وصوب بعد أن وجهت الرابطة الإسلامية في بريطانيا - التي تدير المسجد حالياً - نداءً إلى أعضائها وأنصارها أن يؤموا المسجد حتى لا تتاح الفرصة أمام أتباع أبي حمزة للاستيلاء عليه كما فعلوا ذلك من قبل تارة بالخديعة وتارة بالتهديد والعنف. فاجتمع فيه ما يقرب من ثلاثمائة وخمسين شخصاً جلسوا في قاعته الأولى (في الطابق الأرضي) يتلون كتاب الله بهدوء ثم يستمعون إلى الخطيب يحثهم على أن يكون كل واحد منهم رسولاً للإسلام بسلوكه وخلقه، يضرب المثل في مواطنته الصالحة في البلاد البريطانية، إنها رسالة سلام ووئام لم تتردد من سماعات المسجد منذ زمن طويل. وكان المسجد - الذي كلف إنشاؤه ما يقرب من ثمانية ملايين جنيه جاء نصفها على الأقل من المملكة العربية السعودية من خلال جهود بذلها في حينه ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز - قد اكتسب سمعة بين وسائل الإعلام البريطانية والعالمية أساءت للإسلام والمسلمين. وتدعي أوساط أمنية بريطانية أن المسجد كان قد مورست في داخله نشاطات لها صلة بالإرهاب مما دفع الأجهزة الأمنية إلى اقتحامه ثم إغلاقه في العشرين من يناير - كانون الثاني 2003م. الأمر الذي أغضب المسلمين عامة وأوجد المبرر لدى أبي حمزة وأتباعه لإقامة صلاة الجمعة في الشارع العام أمام المسجد المغلق. وإثر تعاظم الضغوط على السلطات من مختلف الجهات أعيد فتح المسجد للمصلين من جديد في السادس من أغسطس - آب 2004 على أمل أن يتمكن مجلس الأمناء من التحكم به وإدارته بشكل حازم، إلا أن جماعة أبي حمزة الذي كان في المعتقل آنذاك (ولا يزال) ما لبثوا أن استولوا على المسجد مستغلين ضعف وانقسام مجلس الأمناء. وفي غفلة من الأمناء قام أتباع أبي حمزة بتغيير أقفال الأبواب الخارجية والداخلية وباتوا منذ ذلك الوقت يتحكمون بالمسجد الذي لم يزد عدد المشاركين معهم في صلوات الجمعة فيه عن خمسين في كل أسبوع رغم أنه يتسع لما يقرب من 2000 مصل. تجدد الإشكال من جديد، وسال لعاب بعض المغرضين من الإعلاميين لاغتنام الفرصة من جديد للنيل من الإسلام والمسلمين وتأجيج الرأي العام ضدهم بسبب فئة قليلة تجهل الإسلام وتسيء إليه من حيث تدري أو لا تدري. وإزاء هذا الوضع وخوفاً من تتجدد الأزمة بدأت السلطات بالبحث عن مخرج، ووجدت نفسها أمام واحد من خيارين إما أن تغلق المسجد من جديد وهذا في كل الأحوال أسوأ الحلول، وإما أن تقنع من تبقى من أعضاء مجلس الأمناء - وهم أربعة - بدعوة فئة محترمة وحازمة من المسلمين حتى تستلم إدارة المسجد من خلال الانضمام إلى مجلس الأمناء. وفعلاً، كانت هناك خمس شواغر في مجلس الأمناء الذي يتسع لتسعة أعضاء، فبادر الأربعة القدامى بالاتصال بالرابطة الإسلامية في بريطانيا وعرضوا عليها ترشيح خمسة من أعضائها ليملؤوا الشواغر، وقد حصل ذلك فعلاً بعد شهرين من التحاور والتفاوض بوجود أطراف تمثل كافة الدوائر الحكومية المعنية.. وفي يوم الثلاثاء الأول من فبراير - شباط 2004 عقد اجتماع في مكتب النائب العمالي عن منطقة إسلينغتون التي يقع المسجد ضمن حدودها البلدية حضره الأمناء الأربعة من المجلس القديم والأعضاء الخمسة من الرابطة الإسلامية الذين انضموا حسب الأصول إلى مجلس الأمناء وشكلوا الإدارة الجديدة للمسجد. وقبيل موعد أذان ظهر يوم السبت الخامس من فبراير - شباط 2004 وما أن فتح المسجد أبوابه حتى دخله الأعضاء الجدد في مجلس الأمناء يتبعهم العشرات من أعضاء الرابطة الإسلامية. وفي محاولة لاستعادة المسجد بهدوء أبرز الأعضاء ما بحوزتهم من أوراق رسمية صادرة عن (هيئة الإشراف على المؤسسات الخيرية في بريطانيا) مطالبين بتسليمهم المفاتيح، فما كان من الحارس المعين من قبل جماعة أبي حمزة إلا أن اتصل بجماعته فجاؤوا على عجل وقد عقدوا العزم على العراك. ولكن، لم يجد نفعاً الشتم ولا التكفير ولا التهديد بالقتل تارة وبالضرب تارة أخرى، فقد سيطر أعضاء الرابطة الإسلامية على المكان، وصبروا على الأذى دون الرد إلا بالحسنى إلى أن يئس أتباع أبي حمزة فأصدر إليهم زعيمهم المعروف بأبي عبد الله أمراً بالانسحاب وخاصة بعد أن أخبره ضابط الشرطة عند باب المسجد بأنه وجماعته لا حق لهم في المسجد من قريب أو بعيد وبأن أوراقاً كانوا يحملونها بحوزتهم يدعون من خلالها ملكيتهم للمسجد لا قيمة لها على الإطلاق. وكان هؤلاء قد عمدوا إلى تأسيس شركة باسم المسجد وسجلوها في "ديوان الشركات" ظناً منهم بأنهم بذلك سيملكون المسجد. ولكن (هيئة الإشراف على الجمعيات الخيرية) و (ديوان الشركات) كلاهما أبلغهم بأن شركتهم لا تعني شيئاً على الإطلاق، إذ بإمكان المرء أن يسجل شركة بأي اسم (إن لم يكن مسجلاً أصلاً) ولكن هذا لا يرتب حقوقاً بامتلاك جمعيات خيرية تحمل نفس الاسم. وهكذا يأمل المسلمون في منطقة إسلنغتون وفينسبري بارك أن يكون قد أسدل الستار على سنوات من المرارة عاشها المسجد مهجوراً إلا من هذه القلة من الغلاة.. يقول الدكتور عزام التميمي الناطق باسم الرابطة الإسلامية في بريطانيا: (إن هدفنا هو أن نعيد إلى المسجد قيمته وحيويته ودوره وسمعته، فمنطقة إسلينغتون فيها كثافة إسلامية عالية وفي غاية التنوع، ومع ذلك فقد ظل المسلمون فيها محرومين من الصلاة والدرس والتفقه في مسجد حيهم). ويحذر التميمي من أن الرابطة لن تتهاون مع كل من يريد أن يحرم المسلمين من مسجدهم أو أن يحوله إلى بؤرة للتطرف يستغلها أصحاب الأهواء من الإعلاميين والسياسيين ويحتجون بها ليضيقوا على المسلمين في كافة بريطانيا كما حدث في السنوات الماضية. ولا يرى التميمي غضاضة في أن تتعاون منظمته مع الجهات الأمنية إذا ما استدعى الأمر ذلك لحماية المسجد ومن يؤمه من الرجال والنساء بهدف العبادة والتعلم مؤكداً على أن المساجد لم تكن في يوم من الأيام بيوتاً للتكفير والنيل من الآخرين وإنما بيوتاً لله يؤمها الناس ليتقربوا إلى الله بالتعبد والتعلم وسوى ذلك من الأعمال الصالحة. الجدير بالذكر أن المسجد في حالة جيدة، ولكن الإهمال الذي تراكم مع الزمن تسبب في تلف مرافق الوضوء وفي قطع الغاز عنه لعدم دفع الفواتير لسنين طويلة. ويقدر أمناء المسجد بأنهم يحتاجون إلى ما يقرب من مائة ألف جنيه حتى يعيدوا لكافة المرافق حيويتها وخاصة قسم النساء الذي ظل معطلاً فترة طويلة وحوله أنصار أبي حمزة إلى مخزن.
|