تتمتع بلادنا ولله الحمد بوجود الكثير من المدن الهامة والمنظمة والجميلة، نمت على أسس تخطيطية جيدة، حتى توسعت وزاد حجم الكثير منها على المتوقع بكثير، وما تزال طرق التخطيط وخصوصاً للأراضي الجديدة والاستفادة منها تسير بنفس الأسلوب القديم وهو اعتماد دورين فقط في غالب المخططات والأحياء، وهذا ولا شك قد كان مناسباً في السابق لظروف مختلفة، أما الآن وفي ظل النمو السكاني والامتداد العمراني وتوسع المدن في كافة الاتجاهات فإنه يحتاج إلى إعادة نظر، وهذا لا يخفى على المسؤولين الذين يتابعون هذا الأمر خصوصاً في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية، فنحن نجد شوارع كبيرة وهامة، وفرت فيها كل الخدمات المطلوبة، وكلفت مبالغ هائلة على الجهات ذات العلاقة، ومع ذلك يسمح فيها بدورين فقط، وكان يمكن الاستفادة منها بشكل أكبر بحكم مواقعها والوصول إليها وتيسير الخدمات فيها، ومع أن مدينة الرياض قد تأخرت في إقرار أكثر من دورين في بعض الشوارع التجارية، وحينما أقرت بشروط معينة تأخرت كثيراً في الإجراءات التنفيذية، إضافة إلى جهل كثير من المكاتب الهندسية بالوضع، ولعل طول الفترة بين صدور القرار وصدور الإجراءات التنفيذية قد أصاب بعض المستثمرين باليأس. كما أن النمو السكاني الكبير في المملكة جعل أسلوب السكن وإمكانياته تتغير لدى كثير من الناس، فأصبح كثير من الشباب المتزوجين حديثاً لا يستطيع أن يشتري أرضاً ناهيك عن أن يبنى بيتاً مع امتلاك الأرض، ولا شك أن تعدد الأدوار سيتيح مجالاً أكبر لبناء وحدات سكنية أكثر ذات تكاليف أقل تتناسب مع الظروف الجديدة للشباب، ونحن نعرف أنه قد ظهرت العديد من التنظيمات الجديدة في نظام تملك الشقق لمعالجة هذا الأمر إلا أنها من الناحية التنفيذية لا تزال محدودة، التعليمات التنفيذية بين البلديات وكتابة العدل والمكاتب الهندسية ذات العلاقة وكذلك العقاريين أهل الاختصاص والاستثمار وان تيسير هذا الأمر على المستثمرين سيعود بدوره على محتاجي السكن من ذوي الدخل المتوسط.كما أن هناك الكثير من الآراء الأخرى ذات العلاقة بالتخطيط والتي يمكن التذكير بها للفائدة المرجوة، مع أنها لا تخفى على المسؤولين عن التخطيط: من ذلك على سبيل المثال.. أن يكون المسجد مركز الحي ويمكن أن يحاط بعدد من الخدمات مثل مركز البريد او المركز الصحي والخدمات الاجتماعية للحي، وكذلك السوق المحلي الذي يخدم الحي، إضافة للحدائق وملاعب الأطفال وغيرها مما يقدم خدمات عامة لسكان الحي بحيث تكون مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالمسجد، كما يمكن أثناء التخطيط أن تكون جزءاً من تلك المواقع المجاورة تابعة للمسجد مثل: سوق تجاري صغير أو غيره، أوقافاً عامة ترتبط بالمسجد يمكن أن تدر عائداً يساعد في تشغيله وقيامه بأنشطته مستقبلاً. ومن المعروف للجميع معاناة سكان المدن الكبرى كالرياض وجدة ومكة المكرمة وغيرها من الوصول إلى المناطق المركزية نظراً للازدحام الشديد على الطرق المؤدية لتلك المراكز، وكثافة السيارات الناتج عن اعتماد الناس على السيارات الخاصة في تحركاتهم داخل المدن ومراكزها مما يشكل ضغطاً كبيراً في حركة السير في المناطق المركزية للمدن وعلى مواقف السيارات وغير ذلك من مشاكل التلوث والحوادث والضغط النفسي، ولو وجد المتنقلون وسائل أفضل من سياراتهم في تنقلاتهم لما ترددوا في استخدامها، لكن واقع النقل العام يطردهم طرداً إلى سياراتهم الخاصة، وقد جرى التخطيط مؤخراً في مدينة الرياض لايجاد قطارات داخل المدينة إلا أن الدراسة التي أعلن عنها تعالج أجزاء محدودة من مدينة الرياض وإننا ننتظر خطوات أكبر بفضل جهود القائمين على هذا العمل كما أننا على أمل أن تلحق بها بقية المدن الأخرى وبأسرع وقت ممكن. وقد يكون بالإمكان الجد في هذا الأمر حالياً، لكن تأخيره يزيد الأمر تعقيداً وصعوبة، ومدننا لا تقل أهمية عن كثير من مدن العالم الأخرى التي جعلت عماد مواصلاتها طرق قطارات سفلية تحت الأرض فهل نرى ذلك قريباً في رياضنا الغالية وأخواتها.
(*) أكاديمي سعودي |