في ليلة من ليالي الصيف والنسمات الحارة تلفح الوجوه، خرجت كعادتي بعد انتهائي من عملي المدرسي، وفكرت أن أمشي قليلا كي أروح عن نفسي وفجأة استوقفني شاب مادا يده لمصافحتي وكانت تحيته فيها الكثير من الحماس بطريقة جذبت أنظار المارة، كان هذا الشاب مرتديا زيا عسكريا. ونجمة ذهبية تتألق على كتفه وكأنها نجمة آثرت مكانها في السماء لتحط على كتف صديقي. فقلت في نفسي: لعلني أشبه صديقا من أصدقائه فلم أشأ إحراجه فصافحته راسما على وجهي ابتسامة، ولكنه كان ذكيا فعرف أني لم أعرفه، فقدم نفسه لي فعرفت أنه كان من طلبتي وما أسهل تذكر أسماء الأذكياء من الطلبة الذين كان صديقي هذا منهم. لا تدري مقدار فرحتي بهذا اللقاء، وجدت نفسي أعلو على هامات السحاب مفتخرا بتلميذي فكأنني أحرزت نصرا، وكأنه ابن من أبنائي، أوصلته أنا إلى هذا المركز، فسألته بلهفة عن حاله وأحوال زملائه فحكى لي: عنهم قصصا أثلجت صدري مما وصلوا إليه من مراكز ولم يخل حديثه عن بعضهم الذين لم يستطيعوا أن يكملوا دراستهم فكنت أشعر بغصة عندما يحكي لي قصة أحدهم وكأنه أحد أبنائي، وأثناء حديثه كنت هائما سارحا بأفكاري، أتخيل المدرس الذي يدخل الفصل فينسى أنه مدرس أو موظف، وكل ما يذكره هو أنه أمام أبنائه وإخوانه الصغار، فيعمل بكل إحساسه ليجعل من الذين أمامه أشخاصا بارزين في مجتمعهم، لا فرق عنده بين تلميذ وآخر، وخاصة وأنه لا يوجد فارق ذهني بين تلميذ وآخر. كل ما هنالك، تلميذ يهتم بدروسه وآخر يهمله، وفجأة وجدت تلميذي الصديق مادا يده كما بدأ مودعا فتذكرت أني أخذت وقتا طويلا في أفكاري، فصافحته متمنيا له النجاح المطرد وذهب واعدا إياي بزيارتي كلما سمحت له الظروف. المدرس في الميزان: - المدرس كالشمعة يحترق كي ينير لغيره الطريق. - المدرس فنان لأنه يستطيع توزيع المعلومات إلى كل رأس حسب فهمه كما يوزع الفنان ألوانه على اللوحة. - المدرس طبيب يعرف أماكن مرض طالبه.. أي ضعفه في نقطة ما فيعالجه. - المدرس مهندس لأنه ينظم العقول البشرية ويحولها إلى محركات تعمل لخيرها. - المدرس فدائي، فهو يعمل لغيره أكثر ما يعمل لنفسه. المال مشكلة: - إذا عملت على جمع المال قيل إنك مادي. - وإذا حرصت على عدم إنفاقه قيل إنك بخيل. - وإذا صرفته قيل إنك مسرف. - وإذا لم تستطع أن تكون واحدا من هؤلاء قيل إنك فاشل.
جمال حسن صادق |