وجه فضيلة رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان كلمة بمناسبة يوم عاشوراء وفضل الصيام في شهر الله المحرم فيما يلي نصها: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.. فإن المسلمين في هذه الأيام بين يدي موسم كريم من مواسم الخير وفي شهر المحرم من أفضل الشهور وهو موسم يتكرر كل عام فيفوز فيه المتاجرون مع الله، الراغبون في خيري الدنيا والآخرة، أسال الله أن يجعلنا فيه من الفائزين. ثم إني بهذه المناسبة الكريمة أقدم هذه النصيحة الصادقة التي أرجو نفعها لي ولإخواني المسلمين وهي عن يوم عاشوراء الذي دحر الله فيه فرعون وقومه وأعز فيه موسى وقومه وهو يوم مشهود مذكور في القرآن الكريم وأن انتصار الحق على الباطل لمرجو وإنا لمنتظرون من الله كشف كل غمة ودحر كل عدو. إن نعم الله على عباده لا تحصى وذلك في أمور دينهم ودنياهم، وقد يسر الله سبحانه أسباب المغفرة والرحمة وأمر عباده بالأخذ بها وتفضل عليهم بقبول التوبة ودعاهم لما يحييهم، دعاهم إلى المتاجرة معه في مواسم الخيرات ليتدارك من زلت قدمه أو أخذته غفلة عن السعي والجد في مسابقة المشمرين لنيل كريم المطالب وأعالي المراتب فله سبحانه الحمد والمنة على ما أعطى ووالى من النعم وعلى ما يكشف من الكروب والمحن. أخوة الإسلام لقد أظلنا موسم عظيم من مواسم الخيرات أرشد إلى فضله المبعوث رحمة للعالمين الذي ما من خير إلا دل الأمة عليه وحثها على الأخذ منه بأوفر نصيب ولا شر إلا حذرها منه وبيّن مغبته ونتائج ارتكابه، ومما أبانه لنا صلى الله عليه وسلم عن فضائل الأعمال أمر الصيام وجزيل ثوابه وعظيم أثره على النفس بتقويمها وتطهيرها من أدران الذنوب وتذكيرها بفضل الله عليها. والمسلمون في هذه الأيام يستقبلون يوماً مباركاً من أيام الله المعدودة ومواسم النصر المشهودة هو يوم عاشوراء عاشر شهر الله المحرم، له شأن عظيم في السابق ويرجى من الله أن يعيد ذلك على الأمة الإسلامية في هذه الأيام التي تعيش الأمة فيها أنواعاً من الآلام ومن فضل هذا الشهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. كما قد ثبت عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال (يكفر السنة الماضية) رواه مسلم وغيره فهو يوم جدير بالعناية ولعل الله أن يجدد للظالمين من عباده ما حدث لفرعون وقومه وهو يوم عظيم محل عناية السابقين وقد كانت العرب تصومه في الجاهلية ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصومه فلما فرض صوم شهر رمضان قال صلى الله عليه وسلم: من شاء صامه ومن شاء تركه) وفي رواية (وكان يوماً تستر فيه الكعبة) تعني في الجاهلية. وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما (أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء وصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبل أن يفرض رمضان) وفي الصحيحين أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه تعظيماً له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنحن أحق بموسى منكم) فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه). وقد أمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود فروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني والعاشر وروى الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده). فيا أخي المسلم تأمل هذه الأحاديث التي ذكرتها لك عن فضل صيام يوم عاشوراء فاغتنم مواسم الأرباح واحرص على مخالفة اليهود وذلك بصيام يوم قبل يوم عاشوراء أو يوم بعده، لأن دخول المحرم هذا العام 1426هـ لم يثبت ويوم الأربعاء تمام الثلاثين فيكون دخول شهر الله المحرم يوم الخميس فيكون يوم الجمعة التاسع من المحرم وإن ثبت الدخول يوم الأربعاء صار التاسع يوم الخميس فيحسن الاحتياط يصام الخميس والجمعة والسبت ليتأكد لك صيام التاسع والعاشر فعسى أن يتحقق لك بصيام يوم عاشوراء إن شاء الله تكفير ذنوب السنة الماضية مع جزيل العطاء وعظيم الأجر. ثم إني أدعوك أخي المسلم لاغتنام الفرص واقتناص المناسبات الكريمة بالتضرع إلى الله والإلحاح عليه ليكشف عن المسلمين كل غمة ويدفع عنهم كل بلية وكربة وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم وأن يهلك كل من أراد الإسلام والمسلمين بسوء كما أهلك فرعون وقومه وينبغي ملاحظة ساعات الإجابة عند الإفطار وعند السحر وفي حال السجود الذي هو أقرب ما يكون العبد فيه من ربه. إنك يا أخي لا تدري هل تدرك موسماً آخر بعد هذا الموسم أو لا تدرك فبادر لنيل المكاسب والتعرض لساعات الهبات من الكريم الأكرم ثم إني أوصي كل مؤمن بالدعاء الصادق في كل الأوقات الفاضلة ولا سيما في جوف الليل الآخر عسى الله أن يصرف عن بلاد الإسلام كل جور وظلم وعدوان وأن يعاجل الأعداء بأنواع البلايا والنكبات وأن يقي المسلمين شر كل ذي شر. وألح يا أخي المسلم على الله بأن يوفق المسلمين لتعظيم شعائر دين الله وصيانة حرماته وأخيراً وليس آخراً إن شاء الله أوصيكم بتقوى الله سبحانه والإخلاص في العمل وتذكر الحاجات وإنزالها بساحة عفو الله وجليل عطائه وكريم تجاوزه فإنه لا يخيب سائله ولا يخذل من استجار به، واحرصوا على الإحسان إلى المسلمين والرفق بهم وبذل المعروف لهم ونحن في هذه الأيام نعيش ساعات حرجة ولا كاشف لذلك إلا الله فافزعوا إليه سبحانه هذه تذكرة وتذكير وما يتذكر إلا من ينيب وأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يكون كاتب هذه الكلمة وقارئها وسامعها من الذين تنفعهم الذكرى ومن المتعاونين على البر والتقوى والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى |