Wednesday 9th February,200511822العددالاربعاء 30 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

بلا ترددبلا تردد
مدينة في ذاكرتي
هدى بنت فهد المعجل

مدينتي خليط من مفاتن مدن عدة انتقيت مفاتنها بعناية، وضممتها إلى مدينتي التي أرغب، وحزمت حقائب تحوي كتباً منتقاة لا تقرأ سوى بين أحضانها. وروايات لرواة لم يسلقوا الكلمة بماء اغتصبوه من نهر آسن ولم يعيثوا في أرض فساداً حتى ضيعوه.. ودواوين شعرية تستحضر أساطير، وتعيد مجد قلاع آخذة في التداعي في دواوين تقليدية هزيلة.
فما عساها تكون مدينتي؟؟
بسطت الخارطة أمامي، ثم بحثت عن مساحة قادرة على استيعابي واستيعاب من أود ضمها إليّ.. احتل الماء ما يقارب ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وفشلت اليابسة في أن تمتد المساحة أوسع من الربع كطبيعة خلقها الله عليه وليس بفعل الدفن الممارس الآن في حق البحار، وبسببه تصدعت الجدران وأصبح البناء عرضة للغرق، فالأرض طينية لأن جذورها ماء، ولأن اليابسة فشلت في التمدد، وخشيت أن أفشل وأنا أنوي جعل سقف مدينتي التي أرغب بحراً ومحيطها بحراً حتى إذا أزحت الستار عن نوافذ غرف مدينتي رمقتني الأسماك بنظرة حانية باسمة، ولمحت إحداهن تضم بيوضها إليها خائفة عليها بمجرد أن ومض باتجاهها نور انبعث من إحدى الغرف وحسبته يداً امتدت لتعبث ببيوضها.
مدينتي التي أرغب محمية - عن تدفق البحر - بزجاج غير قابل للكسر أو العفن، ويصل إليها من أريد بواسطة نفق متعرج يمكن القادم إلي من احتواء البحر من جهات عدة فيجد متعة - إلى أن يصل - وهو يشاهد مجوهرات البحر وحليه وحلله الثمينة، وطحالبه وأسماك زينة لم تسجن في حوض، وأسماكه التي استطاب لها السكنى في العمق خوفاً من سنارة صيد تخترق قلبها الطري الشفاف.
مدينتي التي أرغب مبانيها لم تعزلها التقنية الحديثة عن الصوت لتحرمني من سماع غزل الأسماك وشكواهن، ولم تواكب تطور البناء والعمران أو تتشكل على الطراز الحديث، فمبانيها طينية شبيهة بمنزل جدي لأمي في (سدير) مع أني لم أنم به يوماً لكنني دخلته وولجت دهاليزه وغرفه وتجولت في باحته، وكدت أضيع به حينما صعدت درجاته وفشلت في الرجوع من الدرج نفسه، ولم أصفه وقتها سوى بالمبنى الغامض.
أبواب مدينتي من الخشب البسيط الخشن حيث إذا كتبت عبارة لشخص أنتظره على ورقة وشككتها بدبوس على الباب ظلت مكانها بانتظار مجيء من كتبت له فلا يفتضها سواه.
مدينتي التي أرغب تمكنني من بسط كتبي المنتقاة، والروايات، والدواوين أمامي لأقرأ بصوت رخيم وتنصت الأسماك ثم تترجم ما سمعت بلغة لم تندرج بعد في قائمة اللغات المتداولة بشرياً أو حيوانياً، وبصوت يعلن عن أمية أصواتنا.
مدينتي التي أرغب هي من ستحرضني على الكتابة بلغة الأسماك والنطق بجرس أصواتها ورسمها غلافاً لمجموعتي القصصية التي سأبدعها هناك.. رسمها بخلاف ما تعلمته في مراحلي الدراسية قوسين تقاطعا من الجهة اليمنى ليكونا ذيل السمكة، ثم دائرة صغيرة رسمت أسفل القوس الأعلى من جهته اليسرى تشكل عين السمكة ثم مثلث حاد الزوايا في منتصف القوسين يساراً يمثل فمها.. وبخلاف مجسم الأسماك المتناثر بطول شاطئ نصف القمر في المنطقة الشرقية.
مدينتي من تغريني لتصميمها على هيئة سمكة قرش وديع أليف، في جوفه منازل على هيئة سمك الزينة كأسماك الحوض (أوسكار - دسكاس - اسيامي - زيبرا - سمة الكهف العمياء) كذا سمك الهامور والشعري، ولم يتفنن مهندس معماري أو فنان تشكيلي في بنائها، وحدي من صمم وبنى.
في مدينتي لن أسمح لموقد بشواء سمكة أو طهيها خشية أن تتعذب الأسماك وهي ترى صويحباتها يتقلبن حرقاً.. وقد أسمح بتداول روايات (حنا مينا) لا حباً في مؤلفاته وأسلوبه، بل لأنه وحده الذي وعى البحر مأوى الأسماك ومنح لمملكتهن مساحة في رواياته ولا بد أن رواياته ستضطرهن للقراءة.
مدينتي التي أرغب لا تستوعب المفردة رغباتي فيها لأكتفي بالنقطة الأهم:
ترى من ستحض بمرافقتي إلى مدينتي تلك؟
وهل ستستمتع بمرافقتها لي واستمتع كذلك؟؟

ص.ب 10919 - الدمام 31443
فاكس: 8435344-03

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved