Thursday 27th January,200511809العددالخميس 17 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الاقتصادية"

مفارقات اقتصاديةمفارقات اقتصادية
د. سامي الغمري

نتساءل هل التناقض أصبح سمة عصرنا ورديف تقدم الحضارات البشرية؟ وهل الإنسان في عصر المفارقات الحالي كلما ازداد معرفة وعلماً ازداد حيرة؟ هل صحيح أن إنسان اليوم كلما ازدادت إمكانياته المالية فقد السيطرة على انضباط أمور شركته وحياته التجارية.. على الرغم أن إنسان التقنية ينتج المزيد من المحاصيل الزراعية بوسائل علمية متقدمة، إلا أنه يبقى عاجزاً عن إطعام الجائعين المحتاجين.. وقد يكتشف إنسان العصر أسرار الفضاء السحيق، إلا أنه يعجز عن التعامل القريب مع أفراد أسرته وأولاده لحال أصبحت الأسر فيه تختلف في روابطها عما عرفته بالأمس.
الآن يتحدث بعض المفكرين عن ظاهرة خروج أمور كثيرة عن أيدي المنظمين في العالم الغربي الصناعي.. فقد تحولت المؤسسات التجارية الصغيرة إلى مؤسسات تجارية كبرى، وتضخمت في حجمها وإنتاجها لمفارقة عجيبة أنه يصعب إيجاد فرص عمل شاغرة مقارنة بالماضي.. اليوم لا نجد من يقبل أن يعمل في الحقول الزراعية وجني الثمار والكل يتطلع إلى وظائف عالية الرتب والمرتب.
تغيرت المفاهيم سريعاً ولم يعد هناك متاجر ولا مطاعم يمتلكها ويديرها الأسر والأفراد بالعد الذي كنا نعرفه، فقد حلت محلها المطاعم العالمية التي استحوذت على ثقة الناس بها.. في هذا العالم المتقلب تناقض حاد بين العالم الغني والعالم الفقير.. في الولايات المتحدة يحصل 1% من سكانها على ثلثي دخل سكانها البالغ 750 دولار و99% من سكانها يحصل على الثلث المتبقي منه.. عالم متناقض يعيش الأغنياء فيه عمراً أطول وينجبون أطفالاً أقل.. أما الفقراء فيعيشون أقل عمراً ولكنهم ينجبون أطفالاً أكثر، وهي حقيقة مرة ولكنها موجودة. فالأعمار الأطول تعني في عالم المال والاقتصاد عملاء أقل قدرة على الشراء ومستهلكين أقل في كميات مشترياتهم.. وهي تعني أيضاً عملاء أصعب إرضاء وقناعة عند الشراء.. هؤلاء مستهلكون لا تغريهم وسائل الترويج ولا وسائل الإعلانات وبات يتضاءل استعداداتهم لحياة أفضل ومستقبل مشرق على هذا الكوكب لاقتراب آجالهم وحلول رحيلهم، لكنها تبقى مفارقة لأنها شريحة سكانية تمثل نسبة عالية في المجتمع الغربي حيث إن فقدان المستهلكين والعملاء بالتدريج وتراجع قواهم الشرائية أمر هام يؤرق شركات المنتجات العالمية. العالم الفقير على الجانب الآخر عالم مليء بالمفارقات، فهم يتزايدون عدداً ويتزايدون فقراً ولا يمكنهم أن يشتروا منتجات مرتفعة الأثمان.. ومن هنا نجد أن لا الغني يشتري ولا الفقير يستهلك، ولم يبق للشركات العالمية المتعددة الجنسيات إلا أن تبادر بالتوطن حيثما يتكلف الإنتاج أقل حداً.. وانعكس هذا بدوره سلباً على فرص العمل في الدول الغربية عندما ارتفعت معدلات البطالة أمام قوانين عمل لا تسمح بالعمل إلا بالحصول أولاً على تخصصات ومؤهلات عالية المستوى والخبرة، ومن يفتقد هذه المواصفات لا يبقى أمامه إلا التعطل والتشرد في الشوارع الصاخبة وأنفاق المترو.. إنه عالم سمته التناقض والمفارقات وعنوانه الكوارث الطبيعية المتتالية عليه.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved