لست مع من يقول إن عتاب الأصدقاء غير واجب عندما يكون لهذا العتاب موضع.. لان الصديق المخلص هو ذلك الإنسان الذي يتقبل عتابك اليه في أمر مهم. وعلى ما أعتقد فليس كل الأصدقاء يقفون وقفة اخلاص عندما تدعو الحاجة إليهم ولست تعرف صديقك المخلص فعلا إلا في وقت الشدة.. فهو من يكون لك في الضراء كوجوده معك في السراء. ولعل من أهم المواقف التي تحدد إيجابية الصديق وتثبت فعالية مشاركته لك هي في أن يستل سيفه من غمده فيدافع عنك بكل شجاعة واقدام، وقد يتطلب الموقف احيانا في أن يدافع عنك الصديق بالكلمة الطيبة والنصيحة الهادفة. وقد يكون دون ذلك فيقف بجانبك برأي سديد أو موعظة حسنة، وفي نظري أن أدنى مراتب منافع الصديق هو من لا يشجعك على التصلب في موقف من المواقف قد لا تكون فيه على حق. وصدق الشاعر إذ يقول:
إن أخا الهيجاء من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك |
نعم.. إن أخا الشدائد هو ذلك الصديق الذي يحاول أن يفديك بنفسه وذلك عندما تلم بك - لا سمح الله - نائبة من نوائب الدهر فتراه يهرع مسرعا يمد لك يد العون والمساعدة ويدافع دونك بما أوتي من قوة إيماناً ووفاء واخلاصاً وتضحية وإيثاراً منه لتلك الاخوة الصادقة والقائمة على أساس من الإخلاص والمحبة في الله له. هذه يا عزيزي القارئ ليست خاطرة تجسمت أمام مخيلتي فتناولت قلمي من جيبي لتدوينها تحت هذا العنوان فحسب ولكن هذا الموضوع في حد ذاته أقرب من أن يكون خاطرة عابرة. إنه على ما أعتقد واضح المعالم لمن يعرف كيف يجب أن يكون الصديق المخلص الوفي ولولا ذلك لما اجتمع اثنان في الحياة ولا عرفنا شيئاً اسمه الوفاء. ففي غبار زوبعة ألمت بي في يوم من الأيام كنت أنشد العون من صديق لي ظننت أنه سيقف بجانبي فنصرني ظالماً أو مظلوماً على هدي حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولكنه وللأسف وقف مني موقف المتفرج. وليته بقي عند هذا الحد بل ظهر وكأنه لا يشعر بما تمليه رابطة الصداقة بيننا، ومرت الأيام، وتبددت عواصف تلك الزوبعة الغراء وانتهت المشكلة بسلام.. وهنا جمعتني الصدفة بصديقي هذا ولم تتركني نزعة الألم المرير من موقفه أن أسكت على ما في نفسي وأتجاهل ما حدث منه بالأمس ولكنني وجدت نفسي مضطراً لبحث الموضوع مع هذا الصديق فقلت ما دهاك يا اخي عندما خذلتني بالأمس؟ قال أرجو أن تتركني وشأني.. قلت ولكنني أطمع في أن أعرف موقفك من صداقتي معك طوال تسع سنوات أو تزيد. فتنهد وتمثل بهذين البيتين:
لا تلم كفى إذا السيف نبا صح مني العزم والدهر أبا رب ساع مبصر في سعيه أخطأ التوفيق فيما طلبا |
قلت وما مناسبة هذين البيتين من موقفك؟ قال هذا ما يجب أن تفهم.. فقد كنت أسعى لمساعدتك بوسائلي الخاصة وطرقي التي كنت أؤمن بجدوى فعاليتها وذلك حين كنت تتصورني ضدك وكنت أريد مستقبلاً أن أشعرك بحسن نيتي ومبلغ ألمي ونجاح وسائلي في هذا الأمر. ولكن ويا للاسف ظهر عكس ما كنت اتوقعه وجاءت النتائج عكس ما كنت أؤمل. وعلى كل حال طالما أن كل شيء على ما يرام وأن الزوبعة كما تقول هدأت وعادت الأمور إلى مجاريها. هنا وهنا فقط لم يعد مجال لعتاب أو فلسفة حديث أو عرض آراء.. وهنا شكرت لصديقي حسن نيته وحملته على نفسه.. وتجاوزت عنه عادة الكرماء. إيماناً برأيه وتصديقاً لطويته ونيته الحسنة.. ورددت في نفسي قول الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن |
|