في مثل هذا اليوم من عام 1260 سقطت مدينة حلب على يد التتار، وهي أول مدينة شامية واجهت الغزو المغولي بعد سقوط بغداد، فقد خرج هولاكو في عام 1259 مع حلفائه من أمراء جورجيا وأرمينيا من عاصمة دولته (مراغة) في أذربيجان، متجهاً إلى الشام، يهز الأرض بجيشه البالغ مائة وخمسين ألف جندي، فاستولى على مدينة (ميافاريقين) عاصمة ديار بكر، وكانت تحت سيطرة الملك الكامل محمد الأيوبي الذي أبلى هو وجيشه بلاء حسناً، وأظهروا فنونا من الشجاعة والفداء تثير الإعجاب والتقدير. ولم تسقط المدينة إلا بعد أن عجزت عن المقاومة لقلة المؤن وانتشار الأوبئة، وهلاك أكثر الناس، واضطر الملك الكامل إلى التسليم، بعدما استنفد كل أسباب المقاومة ولم يعد للتصدي لزحف المغول جدوى. وبعد التسليم قتل المغول الملك الشجاع شرّ قِتْلَة، وحملوا رأسه على رمح، انتقامًا منه لشجاعته ويقظته وشدة بأسه، وإشاعةً للفزع والهلع في نفوس المسلمين، ليقتنعوا بعدم جدوى الدفاع والصمود في وجه الطوفان المغولي. وبعد استيلاء هولاكو على ميافاريقين اتجه إلى ماردين، وكانت في قبضة الملك (السعيد) فوقف في وجه المغول موقفًا شجاعًا، فعجزوا عن اقتحام المدينة رغم الحصار المفروض عليها لمدة ثمانية أشهر، وحاول أحد أبناء الملك السعيد أن يدفع أباه إلى التسليم، فلما رفض قتله ذلك الولد العاق، وسلم المدينة ل(هولاكو) فكافأه بأن جعله واليًا عليها بدلاً من أبيه. وفي أثناء حصار هولاكو لماردين كانت جيوشه تستولي على مدن الشام، فاستولى على نصيبين، وحران، والرها. استعدت حلب بقيادة حاكمها الأيوبي الملك (المعظم توران شاه) لمواجهة المغول الغزاة، واتفقت كلمة أهلها على الجهاد، ومواجهة هؤلاء الهمج، مهما كانت التضحيات، فلما وصل جيش الغزاة ضرب حصارا على المدينة، وبعث هولاكو برسالة إلى الملك المعظم يطلب فيها أن يسلمه المدينة، وأن يلقي بسلاحه ويهدم أسوار قلعة حلب وتحصينات المدينة، وفي نظير ذلك سيعطيه الأمان لنفسه وشعبه، لكن توران شاه لم يجبه إلى ما طلب، وعزم على المقاومة، وأصرّ على الجهاد. اشتعل القتال بين الجانبين، وعجز المغول عن اقتحام أسوار حلب، وأبدى المدافعون عن المدينة ضروبًا من الشجاعة البالغة والإقدام، وقدّموا تضحيات كثيرة، فاضطر هولاكو إلى رفع الحصار عن المدينة، لكنه عاد إليها مرة أخرى، خوفًا على هيبة جيوشه من الضياع، وإصراراً على إخضاع أي مدينة مهما كان ثمن الحصار، وفي هذه المرة عاود الاتصال مرة أخرى بتوران شاه، مكرراً ما طلبه في المرة الأولى، وكان جواب السلطان الرفض لإنذار هولاكو ووعيده. أمام إصرار أهل حلب على الدفاع اشتد حصار المغول للمدينة، ولجؤوا إلى إقامة حائط مرتفع تجاه المدينة، ونصبوا عليه المجانيق التي راحت تضرب سور المدينة، حتى نجحوا في نقب السور. وفي الخامس والعشرين من يناير 1260 نجح المغول في اقتحام المدينة الصامدة، وأباحها هولاكو لجنوده سبعة أيام، فقتلوا أهلها وسبوا نساءها وأطفالها، ونهبوا قصورها وبيوتها ومتاجرها، ونشروا الخراب في كل أرجائها، وقبل أن يغادروا المدينة تركوها شعلة من اللهب والدخان.
|