مع أن الأقوال تؤكد استعدادهما للتعاون فيما بينهما . . ومع ما واكب هذه الأقوال من جهود لإعادة المياه إلى مجاريها . . كي يحل الصفاء وتتبدد الفرقة والخصام . . إلا أن الهوة السحيقة مازالت تفصل القطبين كمتوازيين . .
لقد أكد طارق استعداده للتلحين لطلال . . ورحب طلال بذلك الاستعداد وأبدى رغبته في تحقيقه . . ولكن هذا ما سمعنا به وقرأناه على أعمدة الصحف منذ قرابة أربعة أعوام . . حتى باتت مناورة . . أكثر منها رغبة صادقة . . يستطيع من خلالها هذان القطبان أن يبرهنا لنا جميعاً أن الفن ورسالته أكبر من مستوى الخلافات . . أو الاختلافات . . ولكن هذا لم يحدث قط . . .
مع أننا ندرك أن الخلافات التي يعيشها بعض الفنانين بينهم البين . . يماثلها خلافات بين سائر الفنانين في الدول العربية الشقيقة . . كخلاف عبد الوهاب وفريد . . وبليغ حمدي والموجي . . ومحمد رشدي وعبد الحليم وصباح وفيروز . . ولكن هل كانت خلافات جوهرية بين طلال وطارق . . ؟ ولماذا يتهم كل منهما الآخر يرفض التعاون . . ؟ وتقويض جهود المخلصين في فض الخلافات وتسوية الأمور . . !
طارق آنذاك يصرح على أعمدة الصحف بأنه أعطى لطلال لحناً ومازال رهن (حقيبة) طلال . . وطلال يرد على الاتهام بأنه لم يكن اللحن الذي يستطيع أن يحقق من النجاح ما يفخر به كليهما . . وتزداد الهوة اتساعاً . . وتتسع شقة الخلاف فيستفيد بها من يحسن استغلال الظروف . . وسنوح الفرص مع أن الخلافات بين طارق وطلال . . طارق بكلماته اللحنية . . وطلال بمقدرته الصوتية . . وحسن الأداء . . لايقرها عرف فني خاصة وهما يشكلان أقوى الدعامات الفنية في بلادنا . . بل أكبر ركائزها . . إلا أن تلك الخلافات كان لها بعض الخلفيات والتي كان لها أثراً طيباً في احتدام المنافسة . . وبلوغها أشدها فحفزتهما على التوثب والتجديد، وكان من معطيات ذلك الخلاف بروز أصوات ناشئة ودخولها المعترك الفني، وقد كانت آنذاك بعيدة عن الأنظار . . وتعيش من وراء الكواليس . . .
إننا لا ننكر أن خلاف طارق مع طلال مهد الطريق أمام موهبة محمد عبده . . وهي الخامة الجيدة المعطلة والتي شاءت لها الخلافات أن تتبلور . . . وان ترى النور يساندها ملحن كبير له في الفن الغنائي عامة والتلحين خاصة باع طويل . . فخرجت هذه الموهبة من أكمامها . . واستطاعت في فترة وجيزة أن تثبت أقدامها في عالم الفن . . وتدخل معتركه ليدخل الحلبة صوت غنائي جديد آخر.
وكما ساعدت هذه الخلافات في بروز الفنان محمد عبده كان طلال يعد العدة لاخراج موهبة غنائية جديدة . . وليفسح الطريق أمام الفنان عبادي الجوهر . . الذي كان آنذاك فناناً مغموراً، مازال فنه في دور الحضانة، إلا أنه وفي فترة وجيزة استطاع أن يختط لنفسه طريقاً معتمداً على نفسه بعيداً عن المتابع . . ولقد حقق لنفسه مايريد . . فلم يخضع للارتباطات . . أو الاحتكارات، كذلك الحال بالنسبة لمحمد عبده والذي استطاع بذكائه وكفاحه أن يحتل مكانة ليطمئن إليها إذ أصبح ينافس طلال على مركز الصدارة ويحاول اللحاق به . . وقد يتم له ذلك . . أو يكون . . ! بعد أن استغلا محمد عبده وعبادي غفلة طلال وطارق فتخليا عن الاحتكارات التي كانا يخضعان لها من قبل القطبين فأصبح كل منهما يلحن لنفسه تارة . . ويختار من يلحن له تارة أخرى . . وكأنهما بذلك يشجبان ذلك الخلاف ويستنكرونه . . وان لم يفصحا عنه فهو في دخيلتهم يعتمل.
إن هذا الخلاف الذي قارب الأعوام العشرة وان لم يكن تخطاها منذ أن تم لقاؤهما في أغنية (ثلاث ليال) والتي لحنها طارق لطلال . . نجد أننا بحاجة إلى إعادة جو المودة والألفة بينهما فنياً . . وإلى توحيد جهودهما كفنانين يشكلان قطبي الرحى في فننا الذي لم يزل يعاني من عقدة (الكوبليه) والأغنية (السندويتش) والمخضرمة ببيئات دخيلة.
ولا أعتقد مطلقاً أن تكون البادرة من قبل طلال أكثر منها عند طارق . . فهل يؤكد لنا الموسيقار طارق وفاءه بالتزامه . . والتدليل على استعداده . . وهل يتجاوب طلال فعلا مع هذه المبادرة . . ويلتزم بتنفيذها . . لكي نرى عملاقي فننا في عمل أكثر تكاملاً بلحن طارق الأكثر اشباعاً للأذن المتعطشة للموسيقى . . وبصوت طلال القادر على تحريك الشجن الغافي في النفوس العطشى للأداء الشجي . . والمعبر . . لعل وعسى.
المحرر | 
"زمان الجزيرة"