Sunday 9th January,200511791العددالأحد 28 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "وَرّاق الجزيرة"

قراءة في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطيقراءة في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي
عبدالله بن علي العسكر

إن المجبول على حب التاريخ والمتتبع لحوادثه وخاصة منه التاريخ الإسلامي والعربي ليجد عظة واعتباراً منه في حياته، وذلك لأن التاريخ يعيد نفسه، فما من مصيبة مرت عليك أيها الإنسان إلا وقد مر ما يماثلها أو أعظم منها على من سبقك، وما مر من حبور إلا وقد ذاقه من سلفك أو أطيب منه.وبما أنني من المشغوفين بحب التاريخ والتلذذ بأحداثه، فقد قرأت مراراً كتاباً في التاريخ والسيرة هو (تاريخ الخلفاء) تصنيف الحافظ جلال الدين السيوطي، وهو مما قرر دراسته الشيخ- عبدالله بن محمد بن حميد - رحمه الله - في معهد الحرم المكي الشريف وذلك حينما كنت طالباً في المعهد وأجد من واجبي أن أعرض عن هذا الكتاب باختصار، لعل الله ييسر لي أو من أفضل مني لتحقيق هذا الكتاب المهم؛ فمؤلف هذا الكتاب أشهر من نار على علم له باع طويلة في التأليف (فهو: أبو الفضل عبدالرحمن بن محمد السيوطي الشافعي ولد في رجب سنة 849هـ وتوفي عام 911هـ، وله مؤلفات كثيرة بلغت خمسمائة كتاب منها كتابنا هذا، وكتب أخرى في فنون كثيرة) وذكر من دواعي تأليفه لهذا الكتاب أنه لما رأى كثيراً من المؤلفين ألف من طبقات الشعراء، والنحويين، والفقهاء والتراجم للعلماء، فرأى بثاقب نظره أن يؤلف كتاباً في سيرة.الخلفاء بدأه بالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ثم لمن صحت خلافته من بعدهم كالحسن بن علي رضي الله عنهما، وخلفاء بني أمية، وعد من بينهم عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، ولم يعد منهم مروان بن الحكم لأنه كما قال عن الذهبي: أن مروان لايعد من أمراء المؤمنين بل هو باغ خارج على ابن الزبير ولا عهده إلى ابنه بصحيح) وذكر من بعد ذلك العباسيين بالعراق من السفاح أبو العباس إلى المعتصم بالله، ثم شرح حال التتار ووقائعهم، وادلف بعد ذلك إلى سيرة العباسيين في مصر بدأهم بالمستنصر بالله وختمهم بالمتوكل على الله عبدالعزيز بن يعقوب المولود سنة 819هـ المتوفى سنة 903هـ، وأعقب ذلك بقصيدة نظمها في الخلفاء السابق ذكرهم ووفياتهم عدد أبياتها 116 بيتا، وكتب بعدها فصلا في الدولة الخبيثة العبيدبة، ثم فصلا في دولة بني (طباطبا العلوية الحسنية) وبعد فصلا من الدولة (الطبرستانية) وقد رد على من زعم أن الخلفاء (العبيديين) خلافتهم إسلامية أو أنهم من نسل فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وفصل في ذلك كثيرا، ورده ذلك قاعدة في رد بعض من زعم أنه من نسل آل البيت وهو يقصد بذلك جاها أو رئاسة أو دعوة على تبجيل شخص معين أو نشر لمبدأ هدام، فلقد نقل عن ابن خلكان أن العزيز بالله بن المعز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات:


أنا سمعنا نسبا منكرا
يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعي صادقاً
فاذكر أبا بعد الأب السابع
وإن ترد تحقيق ما قلته
فانسب لنا نفسك كالطائع
أولا دع الأنساب مستورة
وأدخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشم
يقصر عنها طمع الطامع

وقد ذكر في مقدمة الكتاب فصولاً مهمة منها فصل في (شأن البردة النبوية التي تداولها الخلفاء إلى آخر وقت. وبين أنها قدت في فتنة التتار عام 656هـ، وأعقبه بفصل عنونه (في فوائد منثورة تقع في التراجم ولكن ذكرها في موضع واحد أنسب وأفيد) وإني كباحث في التاريخ أرى أنه لا غنى للباحث في التاريخ عن هذا الفصل حيث ذكر فيه قواعد مهمة في الألقاب والكنى، ومن سبق غيره في عمل معين، كما قال في إحدى الفوائد (ولم يل الخلافة هاشمي ابن الهاشمية إلا علي بن أبي طالب والحسن ابنه رضي الله عنهما والأمين).ثم بدأ في سرد الخلفاء وحياتهم رضي الله عن صحابته منهم فيذكر اسم الخليفة ولقبه وعمره وأهم أعماله ومن كان منهم صحابياً ذكر الأحاديث التي رواها، وبعضا من تفسيره واقواله ومن مات في عهده من الأعلام، ومن رثاه من الأعلام شعراً ونثراً وقد درج رحمه الله في كتابه لسير الخلفاء من بني أمية ومن بعدهم على الحيادية، فتراه إذا ذكر محاسن خليفة وأعمالا له حسنة، قال في نهاية السيرة: وما ذكر عنا عفا الله عنه كذا وكذا، يعدّد الأعمال التي رآها سببا في وفاة هذا الخليفة أو عملا قادحاً في سيرته، وبعد ما تقدم من حديث عن هذا الكتاب فإني أذكر نوادر استهوتني عند قراءتي لهذا الكتاب، لعل من قرأها غيري يتعظ من التاريخ ويقف متعجباً كيف أن التاريخ يعيد نفسه ويرى بعض مظاهر الحضارة في ذلك الوقت، وما مر على أهله من ويلات، وإليك أيها القارئ الكريم طرفاً منها:-في سنة 161هـ أمر المهدي بعمارة طريق مكة وبنى بها قصوراً وعمل البرك وأمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام وقصر المنابر وصيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سنة 167هـ أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دوراً كبيرة.
ثم ذكر رواية عن الصولي في تاريخه إسناداً عن الأصمعي قال: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ثني بملائكته فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}سورة الأحزاب (56) آثره بها من بين الرسل إذ خصكم بها من بين الأمم، ثم قال السيوطي: قلت: وهو أول من قال ذلك في الخطبة، وقد استنها الخطباء إلى اليوم.ثم قال: وفي أيام المأمون أحصيت أولاد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا مابين ذكر وأنثى وذلك سنة مائتين وذكر فائدة عن نفطويه والصولي: للمعتصم مناقب، وكان يقال له المثمن، لأنه ثامن الخلفاء من بني العباس، والثامن من ولد العباس وثامن أولاد الرشيد، وملك سنة ثمان عشرة ومائة، وملك ثمان سنين وثمانية أيام، ومولده سنة ثمان وسبعين، وعاش ثمان وأربعين سنة، وطالعه العقرب وهو ثامن برج وفتح ثمانية فتوح، وقتل ثمانية أعداء، وخلف ثمانية أولاد وثمان بنات، ومات لثمان بقين من ربيع الأول.سنة 207ه هبت ريح بالعراق شديدة السموم ولم يعهد مثلها، أحرقت زرع الكوفة والبصرة وبغداد وقتلت المسافرين ودامت خمسين يوماً واتصلت بهمذان، وأحرقت الزرع والمواشي واتصلت بالموصل وسنجار ومنعت الناس من المعاش في الأسواق ومن المشي في الطرقات وأهلكت خلقاً عظيماً. سنة 245ه عمت الزلازل الدنيا فخربت المدن والقلاع والقناطر وسقط من إنطاكية جبل في البحر وسمع من السماء أصوات هائلة وزلزلت مصر، وسمع أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة فمات خلق من أهل بلبيس وغارت عيون مكة فأرسل المتوكل مائة ألف دينار لإجراء الماء من عرفات إليها.الله أكبر لو علم السيوطي بما حل هذه الأيام في دول شرق أسيا من الزلزال المدمر لوقف حائرا، نسأل الله اللطف بإخواننا، ومن فوائده ونوادره: قال الزبير بن بكار: قال الشاعر في فاطمة بنت عبدالملك بن مروان زوجة عمر بن عبدالعزيز.


بنت الخليفة والخليفة جدها
أخت الخلائف والخليفة زوجها

ولا يقال في غيرها هذا إلى يومنا هذا.ثم ذكر فائدة في تسمية مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية بهذا الاسم: يلقب بالجعدي نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم وبالحمار لأنه كان لايجف له لبد في محاربة الخارجين عليه، كان يصل السير بالسير ويصبر على مكاره الحرب ويقال في المثل: فلان أصبر من حمار في الحروب، فلذلك لقب به، وقيل لأن العرب تسمي كل مائة سنة حماراً، فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة لقبوا مروان الحمار بذلك.وفي سنة 281هـ هدم المعتضد دار الندوة بمكة وصيرها مسجدا إلى جانب المسجد الحرام.وبعد هذا التاريخ ذكر السيوطي رحمه الله خبراً يدل على أن العرب أصحاب عاطفة جياشة تصل بهم إلى حد التطرق والاقتتال حتى فيما يزعمونه خيراً، وهم يجلبون شراً عظيماً لأنفسهم ومجتمعاتهم فقال في سنة 317هـ هاجت فتنة كبرى ببغداد بسبب قوله تعالى{ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} سورة الإسراء (79) فقالت جماعة: معناها يقعده الله على عرشه وقال غيرهم: بل هي الشفاعة، ودام الخصام، واقتتلوا جماعة كثيرة.ومن النوادر ما ذكره في سنة 322هـ توفي أبو جعفر السجزي أحد الحجاب، قيل بلغ من العمر مائة وأربعين سنة وحواسه جيدة، وعن التوائم وتاريخها ذكر السيوطي أنه سنة 352هـ بعث بعض بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما25 سنة والالتصاق في الجنب ولهما بطنان وسرتان ومعدتان، ويختلف أوقات جموعهما وعطشهما وبولهما، ولكل واحد كفان وذراعان ويدان وفخذان وساقان واحليلان، وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى المرد، ومات أحدهما وبقي أياماً وأخوه حي فأنتن، وجمع ناصر الدولة الأطباء على أن يقدروا على فصل الميت من الحي، فلم يقدروا، ثم مرض الحي من رائحة الميت فمات.
* أقول: أليس هذا دليلاً واضحاً على ما للعرب من بدايات في الطب يشكروا عليها؟
وفي سنة 354هـ ماتت أخت معز الدولة فنزل المطيع في طيارة إلى دار معز الدولة يعزيه، فخرج إليه معز الدولة ولم يكلفه الصعود من الطيارة، فيا ترى ما هي هذه الطيارة وما كنهها إليس المطيع في بغداد والمعز في القاهرة؟ إن هذا سؤال يطلب الإجابة من أساتذتنا في التاريخ الإسلامي!!وفي سنة 378هـ جاءت ريح سوداء ببغداد بعد العشاء واشتد الرعد والبرق وسقط رمل وتراب كالمطر ووقعت عدة صواعق في كثير من البلاد فظن الناس لها القيامة وبقيت ثلاثة ساعات بعد العصر، وقد شاهد هذه الكائنة أبو بكر الطرطوشي وأوردها في أماليه.وفي هذه السنة أيضا أمر شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في سيرها كما فعل المأمون، وهذا دليل آخر على اهتمام العرب بعلم الفلك ورسوخه لديهم.ثم ذكر رحمه الله في سنة 396هـ في عهد القادر بالله أبو العباس أمر الناصر بمصر والحرمين إذا ذكر الحاكم بأمر الله أن يقوموا ويسجدوا في السوق وفي مواضع الاجتماع.وأنا أتوقف عند هذه الحادثة كثيراً، فالأمر بالسجود عند ذكر اسم الحاكم كفر صريح،ومع ذلك لم يذكر السيوطي عن علماء ذلك الوقت أنهم أمروا بالخروج على ذلك الحاكم ومحاربته، وفيهم علماء إجلاء، هل هم راضون بذلك؟ لا والله، ولكنهم يقدرون الأمور ويحقنون الدماء، ويعرفون فضل اجتماع الناس على الحاكم ويناصحونه سراً، فهل وعي ذلك شباب هذا الوقت الذين لم يروا من ولاة أمرنا، كفراً بل آثروا سفك الدماء وروعوا الأبرياء؟!!ومن نوادر السيوطي ما ذكره في سنة 443هـ مات الظاهر العبيدي صاحب مصر وأقيم ابنه المستنثر بعده - وهو ابن سبع سنين فأقام الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر قال الذهبي: ولا أعلم أحدا في الإسلام لا خليفة ولا سلطانا أقام هذه المدة.وفي سنة 445هـ جاء باليمن مطر كله دم وصارت الأرض مرشوشة بالدم وبقي أثره في ثياب الناس.ومما ذكر في مصائب بغداد سنة 466هـ كان الغرق العظيم وزادت دجلة 30 ذراعا ولم يقع مثل ذلك قط وهلكت الأموال والنفس والدواب وركبت الناس في السفن، واقيمت الجمعة في الطيار علىوجه الماء مرتين، فما هو هذا الطيار؟
* رحم الله أهل بغداد وفرج عنهم إذ ما يرفعون رؤوسهم من كارثة إلا وتحل أخرى.
سنة 479هـ دخل ملكشاه بغداد في ذي الحجة وهو أول دخوله إليها فنزل بدار المملكة ولعب بالكرة، فهل هذه الكرة مثل الكرة التي يلعبها الناس الآن أم تختلف؟ ثم ذكر فائدة للفلكيين ونادرة تستحق التمعن قال في سنة 531هـ رقب الهلال ليلة الثلاثين من شهر رمضان فلم يُر، فأصبح أهل بغداد صائمين لتمام العدة، فلما أمسوا رقبوا الهلال فما رأوه أيضا وكانت السماء جلية السماء صاحية ومثل هذا لم يسمع بمثله في التواريخ.وفي سنة 596هـ توقف النيل بمصر بحيث كسرها ولم يكمل ثلاثة عشر ذراعا وكان الغلاء المفرط بحيث أكلوا الجيف والآدميين وفشا أكل بني آدم واشتهر، ورؤى من ذلك العجب ثم ذكر البركان العظيم الذي جاء حوالي المدينة فقال في سنة 654هـ ظهرت النار بالمدينة النبوية، قال أبو شامة: جاءنا كتب من المدينة فيها: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة ظهر بالمدينة دوي عظيم ثم زلزلة عظيمة، فكانت ساعة بعد ساعة إلى خامس الشهر فظهرت نار عظيمة في الحرة قريبا من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وسالت أودية منها إلى وادي شطا سيل الماء، وطلعنا نبصرها، فإذا الجبال تسيل ناراً، وسارت هكذا وهكذا بين نيران كأنها الجبال، وصار منها شرر كالقصر إلى أن أبصر ضوؤها من مكة ومن الفلاة جميعها.هذه بعض من فوائد هذا الكتاب أعرضها أمام القارئ الكريم للاستفادة من الكتاب وللإطلاع على ما لأمتنا من حضارة ورفعة وما مر عليها من نكبات، ولا زالت صامدة بإذن الله أمام الأعداء.
هامش:
* باحث في التاريخ والأنساب
1- التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved