* بقلم: سعود البديري : الأبعاد الحقيقية لأهداف الصحافة الشعبية تتجلَّى أهداف الصحافة الشعبية في أشياء كثيرة، ربما يكون النشر والشهرة هو الهدف السائد والمعروف لدى عامَّة الناس، بينما أن من أسمى أهداف العمل الصحفي في أروقة الملاحق والمطبوعات الشعبية هو خدمة الشعر، وتوجيه الشاعر وصقل موهبته، وتحديد المسار الصحيح لإبداعه الشعري بمعنى أنها مدرسة قائمة بحد ذاتها تُخرِّج الأجيال الشعرية، وتسهم بإبرازهم إعلامياً، وتقدِّم لهم خدمة جليلة من خلال تشجيعهم، ودعم عطاءاتهم، والتطرُّق لإبداعاتهم، ووضعها تحت مجهر (الضمير) وهذه من ضمن أهم الأهداف صدقاً وسمَّواً.. وتتمثل الصحافة الشعبية بالكفاءات التي يجب أن تكون صادقة مع نفسها أولاً ثم مع شعرائها، لكي تُرضي ضمائرها الحيَّة، وتكسب ثقة المتلقي بها.. بانتظار جديدك القادم هناك شعراء شباب يتذمرون من قسوة بعض المحررين، وأساليبهم الديكتاتورية، وتجاهلهم لقصائدهم، ومحاولة تهميشهم، بينما لو تأملوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المحرر لهدؤوا قليلاً.. وتقبَّلوا الموضوع بصدر رحب.. ولو تأملوا بأن المسالة ليست مسألة (قصيدة تنشر أو لا تنشر).. ولو ملكوا الوعي التام بحرص المحرر على سياسة إعداد الشاعر لتفهَّموا الوضع وسايروا هذه السياسة المدروسة التي تحُقِّق الأهداف السامية في وجود الملاحق والمطبوعات الشعبية.. فقد يعي المحرر أن من سياسة إعداد الشاعر القادم بقوة للنشر أن لا يتم نشر تلك القصيدة حتى لو كانت موافقة لضوابط ومقاييس النشر.. فإن كان مطلبك الوحيد أخي الشاعر القادم أن ترى أول قصيدة ترسلها منشورة بالصفحة فإن للمحرر مطالب عديدة ومن ضمنها معرفة مدى ما تستطيع أن تكتبه.. لأن هناك من يتساءل من إخواننا الشعراء الشباب عن المقصود من كلمة: (بانتظار جديدك) التي يتعمَّد الكثير من المحررين وعلى رأسهم (الحميدي الحربي) على كتابتها في ردودهم على محاولات الشعراء الشباب.. وقد التقيت بالعديد من المحررين الذين أوضحوا بأن هذه الكلمة تعني أنك قادر على كتابة أفضل ما قمت بإرساله للمطبوعة، وليست هذه الكلمة مقبرةً لموهبة.. أو قسوةً متعمَّدة.. وأظن بأن الأخ الأستاذ- الحميدي الحربي يوافقني القول بذلك إذن.. فإن في ذلك محاولة من المحرر لوضع تحد خاص مع نفسك أيها الشاعر (القادم) فمثل هذه الكلمات.. لا تعدُّ قسوةً سلبية.. ولا يمكن أن توِّلد الضعف والتراجع للوراء خاصة للشاعر والمبدع الحقيقي الذي لن يرده ذلك على التواصل وطرق الأبواب الأُخرى، والمحاولات السديدة.. فمن يستحق الحضور ينبغي أن يكون جدياً في مطلبه تجاه المحرر.. محاولات ومواهب ناضجة وغير ناضجة يجب التعامل بحزمٍ وشدِّة مع التجارب الحديثة، وعدم إحراقها بالضوء المفاجئ كي تستطيع أن تواصل تقديم عطاءاتها على أكمل وجهٍ ممكن.. وهذه السياسة لا تعارض سياسة الأخذ بيد المواهب الشعرية، والمحاولات الرائعة ولكن يجب أن يكون بتلك المحاولة أو الموهبة شيئاً من النضج.. فالصحافة الشعبية ليست مرتعاً خصباً لتعليم الشعر.. وأيُّ صحافة تحاول أن تُعلِّم الشعر أبناءها.. فهي صحافة فاشلة..!!!.. فالصحافة أولاً وأخيراً هي عملٌ إعلامي من أهدافها خدمة ورعاية الفنون المكتسبة.. والإشادة بإبداعاتها.. والتنويه بأنشطتها المختلفة.. فالصحافة أيضاً هي الحاسة السادسة، والفكر الناقد.. من ينال شرف الآخر؟!! قبل أن يتشرَّف الشاعر بالنشر في أي مطبوعة شعبية يجب أن تتشرف تلك المطبوعة بقصيدته، فالأهم هو شرف المطبوعة عندما تظفر بقصيدة رائعة يشرفها أن تقوم بنشرها بمكانٍ بارز.. لذا فالأبقى للأصلح.. والمتميز.. وفي النهاية.. لا يصح.. إلاَّ الصحيح..!!! لماذا رفض ذلك الشاعر التصفيق للبدر قبل عشرات السنين ؟ تبادر إلى ذهني قصة أحد الشعراء المخضرمين في مملكتنا الحبيبة والذي قد استمع للأمير الشاعر- بدر بن عبدالمحسن إحدى قصائده في أوائل الثمانينات فما كان منه إلاَّ أن رفض التصفيق لشاعرٍ شاب بالرغم من أنه في تلك السنوات قد قدَّم أعمالاً خالدة وعظيمة في تاريخ الشعر النبطي إلاَّ أنه رفض التصفيق.. له..!!! أتدرون لماذا؟!!! لقد قالها عندما سئل عن السبب.. عندما كان حاضراً لأمسياته الأخيرة فقال: كنت حينها أخشى عليه من الغرور.. أمَّا الآن فسأكون أول المصفقين للبدر..!!!.. فصفق حينها كثيراً لمهندس الكلمة وأثنى على طرحه الشعري.. الإثارة المصطنعة الخالية من الأدلة والبراهين.. والتي لا تعود عليه بالنفع والفائدة أبداً بقدر ما تجعله مداناً أمام الجميع.. إنَّ المتلقي ليس بحاجة لأن يتلقف المهاترات.. والاتهامات.. التي لا طائل منها.. بقدر ما هو بحاجة لمن يحترم عقليّته، من خلال ما يطرح بالساحة من نتاجٍ أدبي.. ولكن أن تكون قصيدة (الصخرة) أسيرةً بين صوتين.. يلقيها كل منهما متى ما شاء.. ومتى ما أراد في أمسياته.. فهذا يُعدُّ استخفافاً بعقلية المتلقي، لا سيما وأن القصيدة رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحتوي على حكم وفوائد عديدة تدُّل على أن شاعرها يملك تجربة فريدة في اقتناص المعنى بروحٍ سلسة وبسيطة، خالية التركيب والتعقيد..
|