تحسب الأمة متقدمة متى كان مجمل نظامها التعليمي أكثر تطوراً، وأكثر تلبية لاحتياجات المجتمع، وأكثر استجابة لاهتمامات أعضائه، وهذا يعني ان تطور التعليم يؤدي إلى تطور البناء الاجتماعي عامة بمنظماته المختلفة حيث إن التعليم يخص كل فئات المجتمع فهو الذي يحدد مستقبل الأبناء ويحدد مكانتهم العلمية والمجتمعية، فلا نهضة لأمة من غير تعليم جيد. وينهض هذا التطور على عدة ركائز نذكر منها لا على أساس الترتيب الصاعد أو النازل، بل على أساس المواكبة والدور الفعال في مواجهة الصعوبات والتحديات التي تواجهها الأمة ولا سيما على أساس تهيئة الدور الذي يتوجب على النظم التعليمية القيام به على صعيد التطوير والتجديد والتطلع إلى المزيد بالاعتماد على نظام إداري جيد قائم على الحق والالتزام والواجب وذلك في ضوء البعد الثقافي، والبعد الاجتماعي، والبعد التكنولوجي وعلى أساس من التفوق في ثقافة إنتاج الذات. وفي ذلك جدير لنا أن نشيد بما لدى مجتمعنا من قيادة حاكمة داعمة لإمكان الاستمرار في معالجة قضايا التعليم، واحترام عقول رواده خاصة الطالب والمعلم، وفي تفعيل سلوك التواصل العلمي بكافة أبعاده الذي يمكن في ضوئه الحصول على نصيب وافر من العلماء في المجالات العلمية متباينة التخصصات التي تحمل على كاهلها عبء تطوير المجتمع وإصلاح شأنه وبلوغه مصاف الدول التي سبقتنا في مضمار التطور والتقدم. وبالتأكيد فإن هذا التطوير المبني على العلم لم يكن مؤجلاً لدى قيادتنا الرشيدة فهي دوماً تحث على الأخذ بأسباب التقدم العلمي والعمل على تجاوز أية صعوبات تصادف ركب المسيرة العلمية خاصة ما يتعلق منها بمجال إعداد الكوادر العلمية وتخطي إشكالية تلك النظرة الضيقة التي تتمحور حول تمسك بعض الردكاليين بالتراثية لا غير - فمن بعدها الطوفان - التي لا ترى إلا العشوائية في برامج التعليم، والتصلب المقيت إزاء العملية التعليمية. والحمد لله ان هذه النظرة نراها اليوم محدودة للغاية وغير فعالة لأن التحديات التي تستشري في الصعيد الدولي تفرض نفسها، بل أحيانا تفرض علينا نمط التعامل معها بما لدينا من استراتيجيات وطنية شارك في وضعها الجميع، كل حسب تخصصه وتجاربه وخبراته. وفي الواقع ان مدخلات التنمية وتفعيلها من عطاء هذا الجمع المتميز ومردوده ومخرجاته عائد عليهم. نعود إلى ركائز التطوير في العملية التعليمية لا سيما ونحن نسبح في تيار ظاهرة العولمة وكم هي شديدة الوقع في محيطنا خاصة فيما يستتبعها من تغيرات واجبة المواجهة والانتقاء فيما يدعم ما اتخذناه من خطوات للإصلاح الاجتماعي، وفي مجال حرية الإنسان والحفاظ على حقوقه ذات العلاقة بنواحي حياته، مع عدم المساس بنظامنا المتكامل في العلاقات الاجتماعية الذي يبتغي احترام الإنسان والآخر. وإزاء ذلك حرصت بلادنا على وجوبية التعامل مع الظاهرة بما يسمح بالحفاظ على ثقافتنا الخاصة أمام ثقافة العولمة خاصة فيما ترمي إليه من حشد الجميع في كتيبة ذات ولاء للتوجه الواحد، ويشجعها ذلك الاعتلاء بقيم التميز الناتج عن عظم الإنجاز في مضمار العلم والاقتصاد والتكنولوجيا والتقنية المعلوماتية المتقدمة. ولكننا نملك إمكانات الصمود بل والتصدي بعقلانية ومنطقية تعتمد على ما حققناه من تطور في نظم التعليم فجامعاتنا تنتشر في ربوع التعليم يعمل فيها حالياً المئات من الأساتذة الوطنيين الذين ثبتت جدارتهم وكفاءتهم وتفوقهم في حقول المعرفة العلمية المختلفة الثرية بالوسائط الثقافية الداعمة لعمليات التجانس والتوافق والتفاعل بين طرفي العملية التعليمية في جانبها الحواري، طالب وأستاذ وهذا هو السر في جاذبية الجامعة للأساتذة والعلماء الوافدين المشاركين وهم يمثلون مستويات وفئات وجنسيات مختلفة وينصهرون جميعاً في بوتقة واحدة أساسها الاحترام المتبادل بين الذات والآخر. الركيزة الثانية في عملية تطوير التعليم هي التقدير الحق للأستاذ الكفء ودعمه بمنح فرص مختلفة لارتياد مجالات البحث العلمي والخروج بمؤشرات تفيد قيام الجامعة بتقديم نظام تعليمي متقدم لحد بعيد وفقاً للمعايير المتعارف عليها لقياس الجودة لما تقدمه الجامعة من برامج محوري الفنون والعلوم. وبناء على ذلك صارت جامعاتنا من أهم الجامعات على الصعيد العربي كله، هذا وفقاً لتقدير بعض من هيئات علمية مختصة مما يدخل جامعاتنا محراب المنافسة مع بعض من الجامعات الأجنبية المتقدمة ووفقاً لنهجنا الاجتماعي بما يفي بمتطلبات فئاته والاهتمام بها في إطار مجتمعي ترعاه الدولة بكل فخر واعزاز ومثال ذلك أوجه الرعاية المتقدمة للطلاب رياضياً وصحياً وفنياً واجتماعياً ويكفي ان نشير إلى واحد منها وهو رعاية الطلاب الوافدين من خارج محيط الجامعة حيث تقدم لها فرصة الاقامة في المدينة الجامعية شاملة جوانب الاقامة بكافة مستلزماتها المادية واللا مادية وتتم تحت إشراف تربوي واجتماعي. ومن هذا المنطلق الرعائي تستهدف الجامعة ان تتيح للطالب فرص الاندماج مع المجتمع الطلابي متعدد الاتجاهات والمهارات والاهتمامات، ومن ثم فهي تتيح له فرص التعرف على البيئة وإمكاناتها وفرص العمل بعد التخرج في مؤسساتها المتخصصة. والركيزة الثالثة نحو تطوير العملية التعليمية هي الاقتناع بالنظر في أمر تطوير مناهج التعليم بمراحله المختلفة وصولاً لمرحلة تتبوأ فيها نظمنا التعليمية قمة التميز التي تليق بحضارتنا الإسلامية واتباعها لأنماط جديدة متطورة من نظم التعليم والبحث العلمي يمكنها من التفاعل المتكافئ مع الهيئات العلمية والبحثية الدولية، ويدفع بنا للقدرة على المنافسة العلمية، وبما يتوجب انطلاقها من قناعة لدينا بضرورة التعامل مع المنتج العلمي المتميز بالابتكار والابداع وهو يتسم بما عليه واجب عصرنا كما كان للسابقين ما يتسم بواجب عصرهم. هذا المنطلق العلمي وما يدفع إليه من مخرجات يلزم ان تحاط بمناخ نفسي موات مشفوعا بالأمل، وان يكون مقبولاً في ايديولوجيته، وحراكه الأفقي والرأسي. هذا القبول يدفع للنشاط الابداعي المتوافق مع متطلبات العصر ودواعيه، وباعث على التناول والاستخدام للسير بعملية التطوير إلى أقصى مدى لها. والرأي لدينا ان الثقافة السائدة في مجتمعنا الآن ثقافة مهيئة لدعم إرادة التطوير العلمي والتقدم به وفق قيم مواتية وحاكمة للانتماء الوطني، وأولى هذه القيم هي قيمة الوعي العقلاني، وعي بعقيدتنا الهادية لسواء السبيل ووعي بنظمنا واستراتيجيتنا التنموية الشاملة والمستدامة الدافعة لتوظيف إمكانات الواقع لخير المجتمع ومصلحة مواطنيه.
|