في الوقت الذي أخذت فيه جموع الحجيج تفد إلى البقاع المقدسة في هذه الأيام المباركة، وتتزايد فيه أشواق المسلمين من جميع أنحاء الأرض، وتهفو قلوبهم إلى هذه الديار المباركة، حنيناً إليها وتطلعاً نحو الوصول إلى أرضها من منطلق إيماني استجابة لقوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وفي الوقت الذي تحشد فيه المملكة كافة جهودها كالمعتاد لاستقبال ضيوف بيت الله الحرام، وتبذل كل ما في وسعها لتوفير أسباب الراحة والطمأنينة لهم عبر مختلف أجهزة الدولة التي تؤمن عن يقين أن خدمة أولئك الضيوف هي تشريف قبل أن يكون تكليفاً.. في هذه الوقت يفاجأ الجميع بفئة ضالة عاقة تحاول النيل من أمن الأبرياء في عاصمة بلاد الحرمين، هذه العاصمة التي كانت وستظل بعون الله رائدة سلام، وعنوان أمن، وداعية خلق. ولم يكن لهذا المسعى الخبيث الذي يستهدف الأمن أن يمر دون عقاب، فقد تمكن رجال الأمن الأوفياء بفضل الله أن ينزلوا العقاب الفوري على الآثمين بعد أن حمى الله الناس من كيدهم وشرهم الذي خططوا له في الظلام، فقد مرّ فعلهم الآثم دون أن يحقق مآربهم المحمومة التي يقف وراءها فكر ضال وبغيض. وإذا كانت التحية الصادقة لرجال الأمن واجبة على كل مواطن مخلص يقدر للأمن قيمته، ولرجاله الساهرين عليه حقوقهم، فإن الواجب يتطلب منا أيضاً أن نقف جميعاً بحزم أمام هذا الفكر المنحرف، وأمام هذا السلوك العاق الذي لم يدب في الشباب إلا وقاده نحو الدمار والهلاك، وجعله أداة طيعة في أيدي الحاقدين ينفثون فيه سمومهم، ويحركون لديه نوازع الشر الغبي والسلوك العدواني، ذلك السلوك الذي يلقي بصاحبه إلى التهلكة ويعرض غيره للخطر. إن هذا العقوق الذي ظهر في سلوك هذه الفئة الضالة، قد امتد من عقوقهم لوالديهم، إلى عقوقهم لوطنهم، فرفعوا شعارات مزيفة، ومشوا وراء أكاذيب مضللة، ونسوا قول الحق تبارك وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}. وهذا العقوق الذي شهدنا آثاره المخربة، يجب أن تكون له مواجهات حاسمة في مختلف الميادين، حتى يقف المجتمع كله صفاً واحداً في المواجهة. فإذا كانت الجهات الأمنية والتربوية والتوجيهية والإرشادية مسؤولة في هذه المواجهة، فإن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع وعليها أن تعي دورها جيداً في تنشئة أبنائها على الأخلاق الفاضلة، وأن تعلمهم منذ الصغر كيف يختارون أصدقاءهم، وكيف يخلصون لأسرهم ومجتمعهم، وكيف يبرون وطنهم وكيف يسعون من أجل خيره وصالحه. إننا مطالبون بالتكاتف والتعاون الشامل بين كل من يهمه أمر الأبناء لصيانتهم من الوقوع ضحية فكر ضال مخرب، حتى يبقى هذا الوطن شامخاً بأبنائه البررة وقيادته الحكيمة التي تسير على نهج الملك المؤسس عبد العزيز - طيب الله ثراه - منذ أن أسس هذا الوطن على قواعد راسخة من شرع الله، والذي أكد أهمية توفير الأمن للوطن والمواطن مهما كانت الصعوبات فقال: (يعلم الله أنّ كل جارحة من جوارح الشعب تؤلمني، وكل شعرة منه يمسها أذى تؤذيني، وكذلك الشعب فإنه يتألم إذا أصابني أي شيء، ولكن المصلحة تضطرني أن أقضي على من لا يصغي للنصح والإرشاد، وأن أتجرع ألم ذلك حفظاً لسلامة المجموع). حمى الله وطننا من كل مكروه، وحفظه من كل سوء.
|