بعد عصر يوم الخميس 25-11-1425هـ، غيب الثرى جسد الفقيد الدكتور عبد الله بن ناصر الوهيبي، بعد أن فجع الوطن بوفاته المفاجئة يوم الثلاثاء في طريق عودته إلى المملكة، ذلك الرجل الذي ملأ قلوب الكثيرين سعادة في حياته يملؤها حزناً في وفاته، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته. لقد كان ابناً باراً لهذا الوطن، فكان من الرعيل الأول الذي رعى التعليم في جميع مراحله، فتولى إدارة التعليم الابتدائي، ثم التعليم العام، ثم أمانة جامعة الملك سعود. لقد كانت رسالته في هذه الحياة إسعاد الآخرين، فيبذل جاهه لتحقيق ما يعجز عنه غيره، ويحرص على تلبية ذلك أكثر من حرصه لذاته، بل أكثر من صاحب الحاجة نفسه، وتغمره السعادة كأنك تعطيه الذي أنت سائله. لقد كان نعم الابن والأب والأخ لأسرته الكبيرة، فكان باراً بوالديه وعضد أبيه الشيخ ناصر رحمه الله، في مسؤولياته القضائية في أنحاء المملكة، أما أبوته فيتنافس عليها أفراد أسرته الصغيرة مع الجم الغفير من أقربائه الذين شملهم بعطفه كأنهم أبناؤه. أما أُخوَّته لأقاربه فقائمة على احترام كبيرهم والعطف على صغيرهم. لقد امتدت أبوته وبنوته وأخوته فلم تقتصر على ذويه ولا على أبناء بلدته، بل شملت أبناء الوطن كله، وأبناء العرب والمسلمين، فتحس أنك أمام شخص نذر نفسه للناس، مهما اختلفت أوطانهم ولغاتهم وأجناسهم. لقد كان سباقاً إلى أبواب الخير: يبادر إلى تعزية من يعرف ومن لا يعرف، يسارع لعيادة المرضى، يسابق إلى زيارة ذوي القربى والأصدقاء، يشارك الناس أتراحهم وأفراحهم، ويقطع آلاف الأميال ليزف تهنئة، كما أكرمني عندما حضر إلى لندن لتهنئتي بالحصول على الدكتوراة. أما غزارة علمه وعمق تفكيره فتشهد لها كتبه وبحوثه، وعندما تنبس شفتاه - اللتان طالما صمتتا - بدرر ثمينة تحمل حكمة بالغة وبصيرة واعية ورؤية ثاقبة تسبق من حوله، ما تلبث الأيام أن تثبت مدى صحتها. أما أعمال البر والخير فمع إسهاماته الجليلة وبذله في أوجه البر والإحسان إلا أنه كان حريصاً على ألا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. إنك لتحزن أشد الحزن عندما تفقد أباً أو أخاً أو صديقاً أو أستاذاً، فكيف إذا فجعت بهم جميعاً في وقت واحد وفي شخص واحد؟! إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإن الكلمات لتقف حائرة عاجزة، فآثرت الصمت حتى أخبرني البارحة أحد الأدباء الأجلاء والأصدقاء الأعزاء بأنه لا يجد الكلمات المعبرة عما في النفس وعما يستحقه أبو ناصر، فعلمت أنني مهما قلت فلن أفيه حقه. أحسن الله عزاء أهله وذويه، بل وعزاءنا جميعاً فيه. رحم الله أبا ناصر وألحقه بالصالحين، وأسكنه جنة عليين.
|