Sunday 9th January,200511791العددالأحد 28 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

في ظلال اللغةفي ظلال اللغة
عملية (فصل التوائم).. بين التميز التقني والتذبذب اللغوي
د. محمود شاكر سعيد

تابع العالم بإعجاب بالغ (عملية فصل التوأمين) التي قام بها الفريق الطبي السعودي - مؤخراً - للطفلتين البولنديتين في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالرياض.
وقد حققت المملكة العربية السعودية بتلك (العملية) إنجازاً متميزاً في مجال الخدمات الإنسانية، وفي مجال الكفاءات العلمية المتميزة، وفي مجال الشهامة العربية الأصيلة.
وقد تمثل ذلك في المشاعر الإنسانية التي جسدها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز تجاه التوائم السيامية الملتصقة، التي حظيت برعاية سموه واهتمامه؛ إذ لم يصل إلى مسامعه نبأ معاناة أسرة من تلك الأسر التي ابتلاها الله بهؤلاء التوائم حتى بادر - جزاه الله خيراً - إلى تخفيف المعاناة عن تلك الأسر وأولئك التوائم من خلال تحمله لنفقات إجراءات العمليات، حتى شاع لقبه (الأمير المنقذ) أو (الأمير الإنسان) على كل لسان.
وقد أبدى الفريق الطبي السعودي الذي أجرى تلك العمليات أداء متميزاً بقيادة النطاسي البارع الدكتور عبدالله الربيعة، وضرب مثلاً رائعاً في جودة الأداء، وكذلك ما تحلى به أعضاء الفريق من صبر وإخلاص، وما توَّج عطاءه وإنجازه من روح الفريق في كل مرحلة من مراحل تلك العمليات.
وإلى جانب هذا (الأداء التقني المتميز) الذي جسده الفريق الطبي وتابعه العالم بإعجاب بالغ، كان (التذبذب اللغوي) الذي بدا واضحاً لدى أغلبية من اضطروا للحديث عن دورهم، أو مشاعرهم، أو أحاسيسهم، أو ذكرياتهم، أو مساءلاتهم عن عملية (فصل التوائم)، وحاروا في الاستعمال اللغوي الصحيح للتوائم من الإناث: هل الواحدة توأم أو توأمة؟ وهل الاثنتان توأمان أم توأمتان؟ وهل الأكثر من ذلك توائم أو توأمات؟...
وسبب ذلك (التذبذب اللغوي) عدم وقوف كثير من المراسلين والصحفيين والمتسائلين على قدرة من قدرات لغتنا العربية التي أدركها الأقدمون، وكان رائدهم (ابن جني)، عندما وضع في كتابه (الخصائص) باباً سماه (باب في شجاعة العربية)، الذي يعتبر مظهراً من مظاهر مرونة العربية، ووجهاً من وجوه تمكنها وقوتها وثرائها.. ويؤكد أن للعربي أن يتعامل مع لغته على مقتضى ما تحتمله، شرط الإفهام والتفهم، وأنها ليست قوالب ضيقة، بل هي إمكانات تعبيرية واسعة تمنحه حرية التصرف والأسلوب وتنظيم العبارات والألفاظ.
وإنَّ ما سماه (ابن جني) (شجاعة العربية) ليس غير مرونة العربية، وطواعيتها، وحيويتها، وقدرة منطقها على الاستجابة والتكيف لظروف القول ودواعي التعبير.
ففي الوقت الذي أكد أغلب المعاجم اللغوية أن كلمة (توأم): تدل على المولود مع غيره في بطن واحد، مهما كان العدد أو النوع، وأن كل واحد منهم يسمى (توأماً) مهما كان نوعه - أيضاً -، وأن مثناه توأمان، وجمعه توائم (وهم كذلك للمذكر والمؤنث أو لتنوعهما).. إلا أن المدقق في المعاجم وكتب اللغة يجد أن علماء العربية قد أجازوا أن يقال: هذا توأم، وهذان توأمان (للمذكر والمؤنث)، أو هذه توأمة، وهاتان توأمتان (للمؤنث)، وهؤلاء توائم (للمذكر والمؤنث)، وهؤلاء توأمات (للمؤنث)، وهؤلاء توأم (للجمع).
وهذا يدعو إلى عدم التذبذب اللغوي أو التردد في التعبير عن التوائم سواء أكانوا من الذكور أو الإناث، ويدعو هذا إلى أن نؤكد أن لغتنا العربية (لغة القرآن الكريم) لا يمكن أن تقف حائلاً دون التعبير السليم، وأن فيها الطاقة اللازمة للانطلاق مما ينتظم في باب إثراء الطاقة التعبيرية، ويؤكد أن معرفة طبيعة اللغة وفقه خصائصها أمر لابد منه لكل مَنْ يتحدث عن اللغة دفاعاً عنها أو علاجاً لها، وأن اللغة بأهلها، إذا نشط أهلها نشطت وأسعفتهم في كل مجال.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved