سؤال يسير أطرحه اليوم على كل من يقرأ هذه المداخلة، وأحاول أن أجيب عنه بما أظنه جوابا صائبا: هل يستوي - في أي من دساتير الدنيا وأعرافها - من يهب الحياة للناس مع من يسلبها منهم؟ لعل الإجابة التي أملكها، أنهما لا يستويان أبداً، فشتان ما بين العطاء والأخذ، وما بين الرعاية والإيذاء، وما بين الإحياء والإماتة. في زمن الإرهاب الذي نواجهه اليوم، تسعى كيانات مارقة - بكل ما أوتيت من حقد وكراهية - لسلب الناس أرواحهم وأموالهم ومقدراتهم، ويسعى المفسدون في الأرض إلى محاولة ضرب المجتمع ونشر الخراب والدمار، دون أن يستشعروا عظم الجرم وخيبة المصير. سلب للحياة، وإزهاق للأرواح، وإفساد في الأرض، ويحدث ذلك كله من ثلة من المارقين والقتلة، محاولين النَّيْل من مقدرات مجتمعنا ووطننا، نرقبهم بكل أسى أن كانوا يوما ما من المحسوبين علينا والمنتمين إلى مجتمعنا، وأن باتوا طعما سائغاً للآخرين الذين يترقبون منا الهفوات، ويتطلعون فينا إلى الكبوات، لكن المعادلة المهمة في هذا الزمان أنه في الحين الذي تخرج لنا فيه هذه الفئة الضالة، ننظر من حولنا لنرى النماذج المجتمعية الأظهر والأقدر على تمثيل واقعنا عقيدة وفكراً وسلوكاً، مجتمعاً مدنياً ومؤسسات رسمية، شعباً وقيادة. نعم.. في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية ارتفعت - خلال الأيام القليلة الماضية - هامات رجالات بلادنا، وسطعت شموس يراد لها أن تحجبها الغيوم، عندما تجلت إرادة الله أن نكون نحن (السعوديين) المتمثلين لمبادئنا وقيمنا وأعرافنا، مانحين للحياة، لنكون - بإذن الله تعالى - وكأنما نحيي الناس جميعاً، مستلهمين تنزيل رب العالمين {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}. أولئك الرجال والنساء، من أطباء وممرضين وكوادر إدارية وفنية.. هم نماذجنا، وهم قدواتنا، وهم خير رسل لمبادئ ديننا الحنيف، ولقيم وتقاليد مجتمعنا السعودي النبيل عندما تعز على المعوزين مقاصد الدنيا تتحلى مقاصدنا، وينعم من يقصد دارنا، وعندما يمرق من حولنا المارقون ليسرقوا أرواحنا، تتسامى هاماتنا لنمنح للآخرين الحياة. العملية الأخيرة لفصل التوأمين لم تكن إلا واحدة من حلقة سابقة ولاحقة بإذن الله، ودليلاً قاطعا على أننا مجتمع أصيل تأصلت فيه مكارم الأخلاق، وتعاضد فيه الشعب مع القيادة في نموذج رائع من البذل والعطاء، ليعلم الناس أجمعون أننا نعطي أطفال الدنيا الحليب ليشربوه، ونصافحهم.. لأنهم كبار بآدميتهم التي كرمها الله تعالى، وكبار بإنسانيتهم التي حق على الآخرين صونها ورعايتها. فليستشعر الناس ذلك البون الشاسع بين الذين يهبون الحياة للناس وبين القتلة الفاسقين الذين يسلبون الناس أمنهم، وأموالهم، وأرواحهم، ولتعشْ يا وطني ترفل في أثواب الأمن والعطاء رغم أحقاد الفاسقين والمرجفين.
|