أظن أكثرنا لا يزال يذكر بشغف المواطن البسيط قبل فترة وجيزة، عندما ذهب يقيس الأحلام جيئة وذهابا، في اكتتاب شركة اتحاد الاتصالات، وكيف تسابق الناس وغدوا يحلمون، وراجت سوق شراء الهويات والأسماء لعجزة وأطفال ونساء مهملات لا يملكن من الحياة إلا انتظار المنية، لكنهن قد حملن اعتبارهن من خلال قيد أسمائهن في دفاتر رسمية، أعدن اعتبارها على ذمم أحلام الطامحين في الثراء، الذين دفعوا لها مقابلا. حبست هذه الشركة الأمنيات في أسهمها الخمسة، أقسمت ألا تتطاير الأحلام بعيداً، بعد ما منحتهم فسحة من الأماني المجانية لمدة أسابيع. لا أملك أي معلومات للمكتتبين فوق الخمسة أسهم، وربما كان هذا الرقم قد ضرب في آلاف للبعض فقط، إلا أن ما يهمني هنا هو الإشارة إلى بيع الأوهام، وكيف تمكنت هذه الشركة في ظل نظام اقتصادي محلي أن تبيع الوهم على عقول الحالمين بغد أفضل؟ هل هناك ما كان يمنعها أن توسع الاكتتاب وتحدده مسبقاً بالخمسة أسهم الشهيرة، وأن يكون الناس الذين أهدروا طاقة ووقتا قد أعلموا بذلك مسبقاً؟ ربما تجاوز بعضنا هذه الصدمة، ومضغها كما الحال مع غيرها من اللوعات، لكن هل كان هناك بديل آخر، خصوصاً ما تركته تلك المشاهد البشرية المزدحمة عند أبواب البنوك حينها؟ ربما كانت هذه التجربة، رغم خيبتها، دافعاً لأحلام أخرى، من خلال فتح المجال للمساهمة في الشركات الكبرى، وهو ما يؤتي نتائج مضاعفة لكل الأطراف، حيث إن زيادة رؤوس الأموال للشركات يضاعف نشاطها وهي في الوقت ذاته فرصة لاستثمار صغار المساهمين كي يضعوا أحلامهم في مكان يحتمل الازدهار. كما أن القوة الاقتصادية في أي بقعة لا يمكن لها أن تنمو ما لم تتوسع الآفاق، وتتعدد المصادر، كما هي في الأرزاق وفرص العمل وأي أحلام أخرى كفيلة بصنع إنسان يخطط لغده، ويشارك على الأقل بمسؤولية معقولة، وربما كانت فرصة لانشغال البعض عن الالتفات إلى منافذ التسطيح التي توسعت واستشرت في مجتمعنا على اختلاف منابعها وتوجهاتها. مازلت كغيري من الطامحين في مستقبل أفضل، أراهن على الإنسان المواطن أولاً، أن تستثمر مداركه وعقله، ولن يكون ذلك من خلال تجربة أو اثنتين، بل تجارب كثيرة ومتنوعة نقرأ من خلالها هموم الناس وأرقهم، وكيف يمكن للخطط الاستراتيجية والاقتصادية أن تضع المواطن السعودي وذوي الدخل المحدود في قوائم الأولويات. إذا اعتبرنا أننا دولة نفطية وأن السوق المحلي كبير نسبياً، وأن معدل النمو السكاني يزداد بشكل مذهل، وأن العمالة الوافدة في طريقها إلى التقنين الفعلي، هذه المعادلات جميعها أقدمها للجهات المسؤولة، وأن تفك رموزها وتمنحنا الحل أو الفعل.
|