* بكين - عزة الحديدي - أ ش أ: شهد العام الحالي حدثا تاريخيا في مسيرة التعاون الصيني العربي تجسد في التوقيع على الوثائق التأسيسية لمنتدى التعاون الصيني العربي بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة خلال سبتمبر الماضي وهو الحدث الذي يتفق جميع المراقبين والمحللين على أنه معلم فارق في تاريخ مسيرة التعاون بين الطرفين بكافة أبعادها ومحاورها. ويرى المحللون والمراقبون أن هذا الحدث من شأنه أيضا أن يعطي زخما قويا لانطلاق الشق الاقتصادي على وجه الخصوص القائم على أسس تكامل المزايا وتبادل المنافع وتشارك الموارد والذي يمثل حتمية لا غنى عنها بالنسبة للجانبين على نحو سواء تحفر لهما موقعا متفردا في الهيكل الاقتصادي الدولي توهلهما لاغتنام الفرص ومواجهة التحديات في إطار ما اصطلح على تسميته بعصر العولمة. ورغم أن الجانبين عضوان في نادي الدول النامية وأعضاء في منظمة التجارة العالمية ويشهدان تجارب مماثلة في تاريخهما الحديث وينتميان إلى فريق الثقافة والحضارة الشرقية وتربطهما منذ أمد بعيد علاقات سياسية مستقرة ومتوازنة.. إلا أن حجم تعاونهما الاقتصادي والتجاري لا يزال محدودا للغاية قياسا بتلك المعطيات الجوهرية فضلا عن إمكاناتهما الهائلة ومواردهما البشرية والطبيعية الوافرة. وفي هذا السياق أشارت أحدث الاحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الصينية إلى أن نصيب التجارة الصينية العربية لا يمثل سوى 7 بالمائة فقط من إجمالي حجم صادرات الدول العربية وبالمقابل لا يتجاوز نصيب التجارة العربية الصينية 3 بالمائة من إجمالي حجم صادرات الصين حتي نهاية النصف الأول من العام الحالي رغم وجود سبع دول عربية تجاوز حجم تجارتها مع الصين سقف المليار دولار وهي السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان والعراق والسودان ومصر. وحاول الطرفان خلال الأعوام القليلة الماضية تهيئة بيئة أفضل للاستثمارات المباشرة أبرمت الصين في اطارها اتفاقيات لتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة مع أكثر من نصف عدد الدول العربية مما حفز على إقامة العديد من المشاريع التعاونية على نطاق واسع. وبمقتضي تلك الاتفاقيات.. شيدت الصين المنطقة الاقتصادية الخاصة شمال غرب خليج السويس في مصر.. وشاركت في تنمية حقول البترول أرقام 1 و2 و4 في السودان.. وأقامت مركزا لعرض المنتجات الصينية الالكتروميكانيكية في الامارات.. وافتتحت مركزا تجاريا في قطر. وعلى الجانب الآخر.. زاد عدد المشاريع الاستثمارية العربية في الصين من أقل من 12 مشروعا في أوائل التسعينيات إلى أكثر من 100 مشروع في نهاية العام الحالي كما زاد بالتبعية اجمالي قيمة الاستثمارات العربية في الصين من أقل من مليون إلى أكثر من مائة مليون خلال الفترة ذاتها. ويعد مشروع الشركة العربية الصينية لصناعة المنسوجات (في ليبيا) ومشروع الشركة العربية الصينية لصناعة الأسمدة الكيماوية (في الكويت) من أبرز النماذج الناجحة للمشاريع المشتركة بين الجانبين. ووفقا للاحصائيات الرسمية.. فقد تجاوزت قيمة الاستثمارات الصينية في الدول العربية بنهاية العام الماضي 110 ملايين دولار أمريكي مقابل 450 مليون دولار أمريكي قيمة الاستثمارات العربية في الصين موزعة على 323 مشروعا لكنها لا تمثل سوى 16 بالمائة من إجمالي رووس الأموال الأجنبية التي تدفقت على الصين بنهاية العام الماضي. ويرى خبراء الاقتصاد أن ثمة حقائق تشكل في مجملها السمات الرئيسية لمسيرة التعاون الاقتصادي الصيني العربي وتتمثل في النقاط التالية: - إن مسيرة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والجانب العربي لا يزيد تاريخها عن خمسة عقود لأنها ارتبطت باقامة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين وأقدم تلك العلاقات لا يزيد عمرها عن خمسين عاما (مصر في عام 1956). - إن الهيكل الجغرافي للعلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية غير متوازن حيث يتركز ذلك التعاون بشكل رئيسي في منطقة الخليج العربي. - إن مجال النفط هو المجال الأبرز في هذه العلاقة خاصة منذ تحولت الصين إعتبارا من عام 1993 إلى دولة مستوردة للنفط فيما يأتي نصف حجم وارداتها من الدول العربية (السعودية والعراق والامارات والكويت). - إن الميزان التجاري غير متكافئ بين الصين والجانب العربي ويميل على الدوام لصالح الصين وتحرص بدورها على الابقاء عليه كذلك حتى أصبحت المشكلة الأكثر إلحاحا هي كيفية تطوير سلع ذات قيمة مضافة عالية التسويق وهنا تبرز المواد الخام باعتبارها متوفرة بكثرة وتنوع داخل العديد من الدول العربية فيما يحتاجها وبصورة مطردة السوق الصيني الواعد ذو الطاقات الكامنة. ويوصي خبراء الاقتصاد بانتهاج مجموعة من السياسات الخاصة الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري العربي الصيني خلال المرحلة القادمة في مقدمتها: - الحفاظ على علاقات سياسية جيدة بين الجانبين باعتبارها الركيزة التي تستند عليها علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري من ناحية وباعتبارها ضرورة حتمية في عالم اليوم أحادي القطب من ناحية أخرى. - تحسين التفاهم المشترك بما يحقق الالمام التام بامكانيات وخصائص واحتياجات سوق كل طرف منهما وهو ما يتطلب إقامة منظومة متكاملة لتبادل المعلومات ارتكازا على مبدأ الشفافية. ويرى الخبراء أنه مع التطور الاقتصادي سيصبح تصدير أشكال مختلفة من خدمات العمالة جزءا رئيسيا من التجارة الدولية في المستقبل المنظور.. وهنا لا يمكن اغفال حقيقة تميز الصين بمواردها البشرية وإن كان العديد منهم ليسوا من أصحاب الكفاءات العالية والمهارات التقنية المتميزة. وطالبوا بضرورة استكشاف أسواق العمالة في الدول العربية لحل مشكلة تحويل مزايا الكم التي تتمتع بها العمالة الصينية الرخيصة نسبيا إلى مزايا الكيف التي تتناسب مع التعديل الهيكلي الاقتصادي للدول العربية فضلا عن استكشاف مجالات جديدة لاستيعاب تلك العمالة كالطب وتكنولوجيا المعلومات والزراعة وحماية البيئة وإدارة المنشآت بدلا من حصرها حاليا في مجال التشييد إلى جانب تعزيز إدارة المقاييس والمعايير لتصدير خدمات العمالة. وبالنسبة للجانب العربي.. أوصى خبراء الاقتصاد بتحويل استثمارات الدول العربية الهائلة من الدول الغربية للصين للاستفادة من الفرص الهائلة التي توفرها استراتيجية الحكومة المركزية المتعلقة بتنمية مناطق الغرب الشاسعة والفقيرة والمتخلفة قياسا بمناطق الشرق الغنية والأسرع نموا أملا في القضاء على القلاقل والاضطرابات ودعاوي الانفصال الناجمة أساسا عن سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية في هذه المناطق الغربية. وأوضح الخبراء أن ذلك دفع بالحكومة الصينية إلى تطبيق سلسلة من السياسات التفضيلية خاصة بالنسبة لمشاريع البنية الأساسية مما يفسح المجال واسعا أمام الدول العربية خاصة دول الخليج للاستثمار في تلك المناطق مع الأخذ بعين الاعتبار التشابه الكبير عقائديا وثقافيا بينها وبين المناطق الغربية الصينية. ويقول الخبراء إن ائقامة شراكة حقيقية وفاعلة بين الصين والدول العربية ترتكز في ذلك على حقائق مفادها إن الدول العربية أصبحت سابع أكثر شريك تجاري للصين على مستوى العالم بحجم تجاري بلغ في نهاية العام الماضي 24.45 مليار دولار أمريكي وإن الدول العربية أصبحت السوق الرئيسي للصين لمقاولة المشاريع وتصدير العمالة.. حيث وقع الجانبان حتى نهاية العام الماضي سبعة آلاف عقد تبلغ قيمتها الاجمالية 16 مليار دولار أمريكي. وتشير أكثر التقديرات تواضعا إلى امكانية الارتفاع بحجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية ليتجاوز سقف السبعين مليار دولار أمريكي في غضون فترة لا تزيد عن ثلاثة أعوام وهنا تبرز مرة أخرى أهمية منتدى التعاون الصيني العربي كآلية رئيسية لتفعيل التعاون بين الجانبين خلال المرحلة القادمة.
|