* هل تحولت المستوطنات إلى دوليات كاملة ومسلحة تتمتع بالاستقلال الكامل داخل إسرائيل؟ كان هذا التساؤل هو محور الدراسة التي وضعها البروفيسور (جدعون بن يهودا) أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة العبرية والتي صدرت في الثاني عشر من شهر ديسمبر الجاري والذي كشف عن المخاطر الجمة التي باتت تصدرها الآن البؤر الاستيطانية إلى داخل ما أسماه ب(المجتمع المدني الإسرائيلي) وهي المخاطر التي لا تتوقف فقط عند الفتاوى (القاتلة) و(المتطرفة) التي يرددها كبار الحاخامات في هذه البؤر والتي تحث اليهود على عدم التعايش مع العرب بل وقتلهم لو استلزم الامر ولكن وصل إلى حد الاعتداء الفعلي على المدنيين والعسكريين ممن ينتهجون أي سياسة تختلف مع هذه الأفكار المتطرفة. ويرى بن يهودا أن هناك الكثير من المؤشرات التي لو لم تم الربط بينها سيتم الكشف عن الازمات الخطيرة التي سببها الاستيطان لإسرائيل بداية من كميات الأسلحة التي لا تعد ولا تحصى - حسبما اشار في الدراسة والتي يحتفظ بها المستوطنون - حتى رفضهم لقرارات الحكومة والتي كان آخرها الرفض القاطع لفكرة الانسحاب من قطاع غزة والتهديد بقتل أي مسؤول مهما كان منصبه يدعو إلى تطبيق هذا القرار. قتل شارون ووصل الامر إلى تهديد شارون نفسه بالقتل واصدار فتوى تهدر دمه إن أصر على موقفه بشأن الانسحاب من غزة وهو ما دعا وزير الدفاع إلى عقد عدد من الاجتماعات مع كبار الحاخامات ورجال الدين اليهودي لحث هؤلاء الحاخامات على التراجع عن موقفهم، خاصة وان الموقف بات حساسا للغاية مع ترديد العديد من المصطلحات التي وصفها بن يهودا بالمرعبة في مخاض هذه الأزمة مثل (اندلاع الحرب الأهلية) و(استباحة دم اليهود لبعضهم البعض) وغيرها من المؤشرات الاخرى التي تدل على مدى عمق هذه الأزمة. ويضرب المثال بعدد من الحوادث التي وقعت في أكثر من مستوطنة وتدل على مدى التطرف الذي وصل إليه المستوطنون مثل الحادثة التي وقعت من عامين عندما تم اغتيال (شلومو اهارونسكي) البروفيسور في الجامعة العبرية والذي كان أحد أبرز من هاجم هؤلاء المستوطنين في أكثر من مقال ودراسة وضعها، وتم العثور على جثته وهي معلقة بعد قتل المستوطنين له، والغريب أن الجناة الذين حكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح من 15 حتى 24 عاماً نشروا صورا لعملية القتل بعد القيام بها وهم يؤكدون ان هذا هو العقاب الذي يستحقه أعداء الله. وبجانب هذه الجريمة وقعت جريمة أخرى حيث خطف المستوطنون مجموعة من أعضاء حركة (السلام الآن) الإسرائيلية - التي تعد أحد أهم الحركات المعارضة للاستيطان في إسرائيل- وقاموا بالاعتداء عليهم بالضرب واغتصاب إحدى النساء منهم بسبب مواقفهم الداعمة لخطة فك الارتباط والانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات بها. وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة التي صاحبت هذه العملية إلا أن المستوطنين أعلنوا وفي بجاحة - حسبما تصف الدراسة- أنهم لا يكترثون على الاطلاق بأي غضب ناجم مما يقومون به، واصفين كل من يدعوهم إلى ترك مستوطناتهم ب(اليهودي الكافر الذي يجب معاقبته). مستوطنات عسكرية ويرى بن يهودا أن المستوطنات باتت مثل الأسد الذي رباه أحد الأشخاص في منزله ورغم عطفه عليه إلا أنه أكل أولاده وقتل زوجته عندما كبر وقويت أسنانه، مشيراً إلى أن هناك وبجانب الأسلحة العددية الموجودة في المستوطنات العشرات من العسكريين الإسرائيليين ممن نشأوا فيها وهو ما يعرف في المصطلحات الإسرائيلية ب(المستوطنين العسكريين) الذين يتزعمهم العميد حاخام موشيه هجار وهو مستوطن قديم وينظر إليه خريجو المدارس التحضيرية العسكرية في الضفة الغربية وغزة بأنه بمثابة الزعيم لهم والذي يقود حملة ضد زملائه في الجيش الإسرائيلي لمنعهم من التعرض لأي مستوطن أو القيام بإخلاء أي مستوطنة، وهو بذلك يهدف إلى خلق بلبلة كبيرة جداً في الجهاز القتالي للجيش حتى يجبر هيئة الأركان العسكرية العليا على إعفاء العام من إجراء الإخلاء. ويشارك هجار عدد كبير من العسكريين المتشددين الذين يرفضون بدورهم هذه الأوامر زاعماً انهم باتوا يمثلون أزمة كبيرة ليس فقط في المستوطنات بل في أكثر المؤسسات العسكرية الإسرائيلية حساسية وعلى رأسها الجيش. ويستشهد بن يهودا في نهاية الدراسة بعدد من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون بهذا الخصوص خاصة رئيس جهاز الأمن الداخلي (شاباك) ورئيس هيئة الأركان اللذين حذرا مما أسموه ب(تجديد الإرهاب اليهودي) الذي تسبب في قتل عدد كبير من الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الراحل (إسحاق رابين) الذي اغتيل على يد الإرهابي اليهودي (يجال عامير). وبالتالي تظهر المشكلة الكبرى التي تسببت فيها هذه المستوطنات لإسرائيل، وهي المشكلة التي جعلتها على مشارف الحرب الأهلية، وباتت هذه المستوطنات كما يؤكد المؤلف أحد أبرز ما يهدد الوجود اليهودي لينقلب السحر على الساحر وتصبح كالسرطان الذي سيفتك بجسد إسرائيل في أي لحظة. ** المدارس التحضيرية العسكرية: هي مدارس موجودة في المستوطنات ويتم تعليم الأولاد بها من سن 12 حتى 20 عاما الدروس العسكرية وكيفية حمل السلاح، وتصرح الحكومة الإسرائيلية بإقامة هذه المدارس بدعوى الخطر الدائم الذي يتعرض له المستوطنون من قبل الفلسطينيين.
|