(تعاوني مع المقاومة الفلسطينية هو شرف لي ولكل أفراد عائلتي، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تعلن فيه دولة فلسطين المستقلة رغم انف شارون وكل أعضاء حكومته اليمينية المتطرفة وأكون إحدى من ساهمن في إعلان هذه الدولة) . هذه الكلمات لم تصدر من إحدى الفلسطينيات المشاركات في الانتفاضة مع إحدى الجماعات المسلحة أو من أم ثكلى فقدت أحد أبنائها بعد استشهاده، ولكنها جزء من كلمة قالتها الفتاة الإسرائيلية الجنسية واليهودية الديانة (طالي فحيما) المعتقلة حالياً في معتقل (نافيه تريتسا) الذي يعد أحد ابشع المعتقلات الإسرائيلية - والتي ما زالت قضيتها تزلزل جميع أنحاء إسرائيل خاصة مع مساهمتها وتعاونها مع جماعات المقاومة الفلسطينية وتسهيلها دخول أعضاء هذه الجماعات إلى تل أبيب للقيام بعدد من العمليات ضد الأهداف الحيوية بها وبعدد من المدن الأخرى للرد على الانتهاكات المتواصلة التي يتعرض إليها الفلسطينيون. البروفيسورة (عنت تل شير) أستاذة العلوم السياسية في جامعة بن جوريون في النقب والبروفيسور (تسدوق يحزيكالي) استاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا أصدرا في الحادي عشر من شهر ديسمبر الجاري كتابا بعنوان (يهوديات ضد إسرائيل) وهو الكتاب الذي صدر عن المعهد اليهودي للدراسات في تل أبيب وأثار ردود فعل واسعة، خاصة مع كشفه لواحدة من أكثر القضايا خطورة على الساحة الإسرائيلية حالياً وهي تجنيد اليهوديات للعمل مع المقاومة الفلسطينية وتسهيل المهام الملقاة إلى أعضاء هذه المقاومة والتغطية على تحركاتهم في إسرائيل. وينقسم الكتاب إلى فصلين الأول بعنوان (الخطأ لمن؟) والذي وضعته (شير) والذي تحاول فيه الوصول إلى السبب الحقيقي الذي دفع اليهوديات إلى مساعدة المقاومة الفلسطينية، والثاني بعنوان (ظاهرة خطيرة) ووضعه (يحزيكالي) ويتحدث فيه عن هذه الظاهرة والأسباب التي أدت إلى انتشارها. في البداية يتحدث الكتاب عن هذه الظاهرة والخطورة التي تمثلها ليس فقط من الناحية العسكرية أو السياسية ولكن من الناحية الدينية حيث تحظى المرأة بمكانة كبيرة في الديانة اليهودية وتعتبر هي الأساس الذي نبعت منه اغلب التشريعات والقواعد الدينية اليهودية، حتى إن الشريعة اليهودية تقتضي بان الإنسان لا يصبح يهودي الديانة إلا إذا كانت أمه في الأساس كذلك. وتوضح شير أن التعامل غير الآدمي العنيف الذي يتعرض له الفلسطينيون أدى إلى بروز طبقة من الإسرائيليين سواء من النساء او الرجال متعاطفة مع الفلسطينيين، وهي الطبقة التي تضم في الأساس عدداً كبيراً من أهم المفكرين والأدباء وهو ما بات واضحاً منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988م وتصاعدت نسبة هذه الطبقة مع اندلاع الانتفاضة الحالية في سبتمبر عام 2000م واستمرار السياسة العنيفة التي انتهجتها تل أبيب في التعامل بها مع الفلسطينيين وهي السياسة التي لم ترحم حتى الأطفال الصغار وأدت إلى قتل العشرات منهم بداية من محمد درة حتى الطفلة أمل حجو، والحادثتان الأخيرتان أدتا إلى تعاطف عدد كبير من الإسرائيليات مع الفلسطينيين، وعلى سبيل المثال كشفت إحصائية أجراها معهد تل أبيب الإحصائي أن 34% من الإسرائيليات يشعرن بالإحباط نتيجة قتل الأطفال الفلسطينيين، في حين طالبت 28% منهن بضرورة التوقف عن هذه السياسية التي وصفت بالبربرية. وتأخذ الدراسة الفتاة طالي فحيما كنموذج للفتاة اليهودية التي تقف بجانب الفلسطينيين، حيث أكدت تحقيقات الشرطة قيامها بمساعدة زكريا الزبيدي رئيس كتائب شهداء الأقصى في جنين وسهلت دخول عدد من الاستشهاديين الفلسطينيين إلى إسرائيل ومساعدتهم في التنقل بحرية قبيل تنفيذ العمليات والتفجيرات بها. واللافت أن هناك عدداً كبيراً من النماذج التي سبقت فحيما ودفعتها ليس فقط إلى التعاطف مع الفلسطينيين بل إلى الوقوع في غرام الشباب منهم أمثال الفتاة (يهوديت عزرا) التي ألقي القبض عليها واعتقالها في يناير عام 1996م عندما ساعدت الشاب (محمد مبروك) عضو حركة حماس في الدخول إلى إسرائيل والقيام بالإشراف على تنفيذ إحدى العمليات الاستشهادية وتوجيهه بنفسه للاستشهاديين لكي يقوموا بهذه العملية، ولقد ألقي القبض على عزرا التي اتضح بعدها أنها حامل من مبروك ووضعت بالفعل مولوداً اسمته عبدالله، وسافرت عزرا إلى ايرلندا بعد الافراج عنها وعن مبروك عام 1998م بعد ضغوط واسعة مارستها جماعات حقوق الإنسان في إسرائيل وتم طردهما من فلسطين بعد تعهدها بعدم العودة إليها مرة أخرى. بالإضافة إلى قصة الفتاة (شوقية عيسى) التي ارتبطت بعلاقة عاطفية مع المجند شاؤول باراك في عام 2000م وقام باراك - الذي كان يخدم في حرس الحدود بتسهيل دخول أحد أعضاء المقاومة الفلسطينية إلى إسرائيل للقيام بعملية استشهادية ضد أحد المواقع العسكرية في تل أبيب، وعند التحقيق معه أكد باراك أنه لا يفخر كونه يحمل الجنسية الإسرائيلية خاصة مع قيام بلاده بالتنكيل بالفلسطينيين وقتلهم بلا رحمة، مؤكداً أن حبه ل (شوقية) من جهة ورغبته في المساهمة في رفع المعاناة ولو بصورة قليلة عن الفلسطينيين من جهة أخرى أدى إلى مساعدته للاستشهادي الفلسطيني بالدخول إلى اسرائيل، ويوجد عدد كبير من القضايا المماثلة لهذه الحالات ولكن يحظر على الصحافة ووسائل الإعلام الحديث عنها نهائيا حتى لا تضر بالوضع الأمني الحساس للغاية في هذا الوقت أو تسبب حالة من الإحباط للإسرائيليين.
|