الرئيس حسني مبارك كان قد قرّر إطلاق سراح عزام عزام قبل ثلاثة أشهر من دون إحاطة إسرائيل علما بذلك، إخلاء سبيله كان سيتم بصورة فجائية حيث يتم نقله على متن ناقلة مصلحة السجون المصرية ليظهر على المعابر الحدودية دفعة واحدة، ولكن عندها حدثت العملية الإرهابية في سيناء وقام شارون بدعوة الإسرائيليين المتبقين هناك للعودة إلى الوطن فوراً، بينما قام مبعوث سري من قبله بالتجوال بين المواقع السياحية في سيناء وحث السياح الإسرائيليين على مغادرة المنطقة، ومبارك آنذاك لم يكن مقتنعاً بأن شارون سينفذ فك الارتباط. وفي ظل هذه الأجواء الحماسية المناهضة لإسرائيل أصرّ الصحفيون المصريون على كشف مؤامرة الموساد الجديدة: تنفيذ عملية كبيرة في سيناء حتى إذا كلّف الأمر سقوط ضحايا إسرائيليين من أجل إعاقة السياحة المصرية، الأضرار التي ستنجم عن ذلك قدرت بثلاثة مليارات دولار في الوقت الذي تعتبر فيه السياحة أكبر قطاع ربحي للخزينة المصرية، هذا ناهيك عن العاطلين الجدد عن العمل. في الأسابيع الأخيرة ومنذ موت عرفات تغير اتجاه الرياح.. جهاز القانون في القاهرة عمل بصورة سرية وفقاً لتعليمات خاصة من القصر الرئاسي: القانون الجديد رقم 321 من قوانين العقوبات رمى إلى فتح الطريق لتقصير مدة عقوبة عزام عزام. الرئيس الذي يعتبر المسؤول الأعلى بحكم قوانين الطوارئ على الجهاز القضائي مخول بحكم هذا القانون بتقصير عقوبة السجناء الذين قضوا أكثر من نصف محكوميتهم إذا كانوا من ذوي سلوك حسن في السجن، ولم يشك أحد في القاهرة بأن الجاسوس الأكثر شهرة في مصر سيخرج من السجن. ولكن برزت مرة أخرى عقبة جديدة تمثلت بحادثة قتل رجال الشرطة المصريين الثلاثة على يد دبابة إسرائيلية، الأمر الذي تسبب في تأجيل الجدول الزمني المزمع. مبارك سارع لمطالبة شارون باعتذار هاتفي، ولكنه ذهل من الأجواء المعادية في الشارع المصري عندما أرسل رجال العسس لجس نبض الشارع. مبارك الذي اقتنع بأن شارون عازم على تنفيذ خطوته أحادية الجانب، استعد لتحويلها إلى خطة متعددة المراحل بدعم أمريكي وقطف ثمارها الاقتصادية والسياسية الغالية الثمن. وبينما كان يعانق أبو مازن ويصرح بأنه متأكد من انك ستفوز في الانتخابات قرر الرئيس ان إطلاق سراح عزام عزام يمكن أن يساعده في هذه الخطوة. وهكذا لم يكن مكان لرد فعل غاضب عندما أعلم شارون انه فعل ذلك من أجله (حسب الرواية الإسرائيلية فقط). يجب قراءة المديح الذي أطلقه الرئيس المصري على رئيس الحكومة بدقة وتمعن، حيث قال مبارك لشعبه الذي سيفاجأ بعد ساعات قلائل من إطلاق سراح عزام عزام: شارون يستطيع أن يجلب السلام، ولكنه أضاف: فقط إذا رغب بذلك. بكلمات أخرى ليست هذه حكاية غرامية وإنما تطوير ذكي وفطن للرؤية المصلحية: مبارك يقف على رأس الهرم السياسي بينما يعتبر شارون السلم، ومن المثير ملاحظة الطريقة التي تم فيها تفسير إطلاق سراح عزام المفاجئ في مصر. (هذه ليست صفقة) كما أصر الناطق بلسان رئاسة الجمهورية المصرية السفير ماجد عبدالفتاح القول، وأضاف عبدالفتاح: أولاً حرصنا على إخلاء سبيل الطلاب الستة المحتجزين في إسرائيل والذين كانوا سيحاكمون هناك لسنوات طويلة، وبعد أن استجاب شارون لنا فقط قمنا باطلاق سراح عزام عزام فكانت المقايضة سبع سنوات ونصف السنة (ما تبقى من حكمه) مقابل 60 سنة سجناً أي عشر سنوات لكل واحد من الطلاب الستة. والأهم هو أن شارون ذاته الذي يصرح بأن خريطة الطريق قد ماتت مستعد لإحيائها من أجل إقامة الدولة الفلسطينية. نافع كشف النقاب أيضا عن معلومة مثيرة من ذلك اللقاء المغلق الذي عقده مبارك مع القيادة الرباعية الفلسطينية - أبو مازن وأبو علاء وروحي فتوح ونبيل شعث -: عليكم أن تعملوا برأس واحد - حذر مبارك - وإذا نشبت بينكم الخلافات فسيفسد ذلك الخطة الكبرى. وعندها ستلعبون لمصلحة شارون الذي سيعلن مرة أخرى بأنه لا يوجد شريك فلسطيني. في هذه الأثناء، وبفضل سخونة العلاقات بين إسرائيل ومصر، قامت إسرائيل بإحاطة القاهرة علماً بهبوب رياح إيجابية من ناحية عشر دول عربية. بروس كاشدان، المبعوث الإسرائيلي شبه السري في دول الخليج أخبر إسرائيل بوجود مؤشرات من ناحية أبو ظبي وعمان والبحرين والكويت وقطر التي تضغط للوساطة بين دمشق وإسرائيل (إثر هذا التقرير صعد مبارك على متن طائرته وتوجه لجس النبض في الكويت والبحرين). في موازاة ذلك وردت مؤشرات إيجابية من المغرب وتونس وليبيا التي وافقت بصورة مفاجئة على ضم عضو كنيست إسرائيلي (ايلي كحلون) للوفد اليهودي من أصل ليبي من المتواجدين في إيطاليا، الذي سيلتقي مع القذافي. مبارك يتصرف وفق خطة منظمة. هذا ليس الشرق الأوسط الجديد الذي رفع لواءه شمعون بيرس قبل سبع سنوات، وإنما الشرق الأوسط الكبير الذي ولد قبل سبع سنوات في خطة مصرية: السلام الشامل بين إسرائيل وكل الدول العربية، مقابل الانسحاب الشامل من المناطق. تلك المبادرة التي قيلت من قبل ولي العهد السعودي - الذي أعتبره أحد أذكى حكام المنطقة الآن - وحظيت بموافقة الإدارة الأمريكية وغرقت في الجوارير عميقاً إثر الهجوم على العراق، من الذي يذكر اليوم قمة بيروت قبل أربع سنوات عندما ألقى كل زعماء العالم العربي التحية لتلك الخطة السلمية الشاملة بما فيها سوريا أيضا؟ والغريب انه وفجأة اختفت من صحف القاهرة بصورة شبه تامة المقالات التهجمية المناهضة لإسرائيل، دبلوماسي إسرائيلي حظي لأول مرة باستضافة برنامج تلفزيوني، الصحفيون المصريون أخذوا يكتبون عن نافذة جديدة، من الصعب عليهم التعايش مع شارون، فالارتياب به لم يختف بعد ولكن المؤسسة الرسمية أطلقت الإشارات لتشابك ثلاثي للأيادي بين إسرائيل ومصر، ورام الله وإلى عقد اتفاقات سرية وتنسيقات. من خلف إقامة مصانع QIZ هذه تنطوي حكاية السلام العكر بين إسرائيل ومصر: قبل أربع سنوات وإثر اتفاق السلام الأردني ناشد رجال الأعمال الإسرائيليين انضمام مصر للمصانع المشتركة، وأشاروا إلى الثمار الاقتصادية الهائلة الناجمة عن ذلك. إلا أن مصر رفضت بشدة عملية التطبيع الاقتصادي. مصنع النسيج الهائل التابع لشركة دلتا الإسرائيلية في ضواحي القاهرة اضطر على سبيل المثال الى استخدام الماركة الدولية ساره على رغم أن عماله التسعمائة عرفوا أنهم يعملون تحت إدارة إسرائيلية. ومصر؟ لم تربح حتى دولاراً واحداً باستثناء رواتب العمال المصريين. الآن فقط، قال أحد المقربين من مبارك معبراً عن الندم لذلك الرفض: سنشارك نحن في هذا المشروع الذي سيجلب لنا مليارات الدولارات سنوياً. صفقة الغاز الطبيعي هي الأخرى التي عانت من المراوحة السياسية البيروقراطية، ستصل قريباً إلى مرحلة التنفيذ، الأرباح المتوقعة منها تقدر ب5.2 مليار دولار مقابل الغاز الذي افتقد قوة الشراء.
سيمدار بيري رئيسة قسم الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت سيمدار بيري: رئيسة قسم الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت، وتعمل في الصحافة منذ منتصف السبعينيات، وسبق لها زيارة العديد من الدول العربية مثل مصر والأردن وموريتانيا، وزعمت في مقال لها نشر أخيراً أن أصدقاءها المصريين والأردنيين أكثر من الإسرائيليين. |