Sunday 9th January,200511791العددالأحد 28 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

شيء منشيء من
محاربة التخلف جزء من (جهاد الدفع) أيضاً !
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

قبل ما يقرب من الثلاثين سنة، أي في منتصف السبعينيات الميلادية تقريباً من القرن الماضي، كانت نسبة (الفقر) في دولة ماليزيا الإسلامية كما يقول الدكتور محمد شريف بشير في مقال له تزيد على (الخمسين في المائة) بين قطاعات الشعب الماليزي، وفي مطلع القرن الميلادي الجديد انخفضت هذه النسبة بين مواطني هذه الدولة نفسها وأصبحت لا تزيد على (الخمسة في المائة) كما تقول الإحصاءات.
وتطمح الحكومة الماليزية إلى أن تنحدر هذه النسبة إلى (0.5%) بحلول هذه السنة 2005م، ولديهم من الأسباب والخطط والبرامج، فضلاً عن التاريخ التنموي الحافل بالإنجازات، ما يجعل طموحهم هذا ممكن التحقيق بكل المقاييس.
وماليزيا دولة إسلامية. مواطنوها جلهم مسلمون، بل إن أغلبيتهم مسلمون محافظون، يعتزون بقيمهم الإسلامية، ويفاخرون بها، فها هو (مهاتير محمد)، أحد عمالقة منظري تنميتهم وروادها، يعيد ما وصلت إليه بلاده من تقدم وتحضر ورقي إنساني في كافة المجالات إلى الإسلام في الدرجة الأولى.
والسؤال الذي يطرح نفسه بكل قوة: لماذا تقدمت ماليزيا، وكاد الفقر اليوم يتلاشى فيها، بينما بقيت نسب الفقر والتخلف العلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي في تفاقم مستمر في بلاد بني يعرب؟. فإذا كان الإسلام هو السبب - كما يقول مهاتير محمد - فلماذا أخفقنا نحن العرب المسلمين في تحقيق ما أنجزه القوم هناك، رغم أننا نشاركهم في الباعث والمسبب الحضاري الذي هو الإسلام؟.
السبب في تقديري هو سبب موضوعي بحت، فالماليزيون استطاعوا أن يوظفوا القيم الحضارية البناءة لهذا الدين العظيم في تأصيل وتجذير نهضة تنموية كبرى، حينما فهموا الإسلام فهماً عقلانياً معاصراً لا يقف عند ظاهر النص، ولا عند تطبيقاته التاريخية السلفية، وإنما يتعداه إلى المقاصد والغايات والمرامي، ثم انطلقوا من هذا الفهم واسع الأفق فلسفياً، ليبنوا ضرباً من ضروب حضارة الإنسان المسلم المعاصر، حضارة القوة والغنى والعزة والمنعة والعدالة ورفاه الإنسان.
ولك أن تتصور لو أن فهمنا لشعيرة (الجهاد) مثلاً في الإسلام كان فهماً عصرياً، يتجاوز الماضي، والفهم السلفي الجامد للجهاد، ويتعامل مع الحاضر، ويواكب متطلباته، منطلقاً من أن عدو العرب المسلمين الأول ليس الغرب (الصليبي) كما هم يتوهمون, ولا دعاة (العلمانية) كما يتصورون، وإنما هو (الجهل) العلمي والمعرفي والثقافي، والفقر والعوز والمرض، والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للإنسان العربي، أين سنكون حضارياً اليوم؟
والجهاد هو بلا ريب ذروة سنام الإسلام. غير أنه لا يمكن أن يكون كذلك إذا أبقيناه مفهوماً جامداً ثابتاً متكلساً لا علاقة له بمتغيرات الزمان والمكان، ولا بالقيم الإنسانية السائدة في عصرنا. ولعل ما نشهده هذه الأيام من توظيف مغرض ومتخبط ومتخلف وسطحي لمفهوم الجهاد بين من يجعلوه (أداة) ثورة وانقلاب، ووسيلة نسف لكل ما هو قائم، كابن لادن وقاعدته مثلاً، وبين من يحاولون إلغاءه، وتجريمه، وتفريغه من معانيه ومثله العليا، فيقصرونه على القتال، عندما يعتبرونه ضرباً من ضروب (الإرهاب)، ودعوة للقتل والتفجير والتخريب، كما هو مفهومه لدى الغرب، يضع الكثير من النقاط على الحروف بلا شك.
ومن أجل أن نبني حضارة بمعايير اليوم، لا يمكن أن نهمش الأسس والمنطلقات الاجتماعية التي تقوم عليها حضارات اليوم المعاصرة، كما لا يمكن أن نجعل من واقعنا (مزرعة) تجارب سياسية واقتصادية، كما فعل (ترابي) السودان فكاد يخرج بلاده من التاريخ لولا أن تداركه رفاقه، ونحن نعلم علم اليقين أن هذه التجارب فاشلة لا محالة.
ولا أكتمكم أنني كنت أظن أن هزيمة وسقوط تجربة دولة طالبان، على كافة المستويات والصعد، ثم انتقالها من الحياة إلى القبور، سيقطع الشك باليقين لدى كثير ممن كانوا يراهنون على أن لنا نحن المسلمين (خصوصية تنموية) تختلف عن غيرنا من بني البشر، وبالذات في المجالات السياسية والاقتصادية، مثلما هم يزايدون. غير أن الفشل الذريع الذي اكتنف تلك التجربة يبدو أنه لا يكفي لكثير ممن يصرون على أن (نظرياتهم) هي الحل، رغم أنها لا تعدو أن تكون وجهاً آخر من أوجه تلك العملة الطالبانية التي سقطت على أرض الواقع، وبالضربة القاضية المميتة أيضاً.
أما لماذا يصر بعض (منغلقينا) على تجربة (طالبان) فيتقمصونها رغم فشلها، بينما يتجاوزون تجربة ماليزيا الحضارية رغم نجاحها منقطع النظير، فهذا في رأيي لأننا قوم نعشق (الأنتيك) ونكره المعاصرة!.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved