سؤال كبير بحجم الهوة بين ما هو مأمول وما هو واقع.. سؤال تفرضه الاخفاقات المتلاحقة لهذه القنوات في مواجهة الحملات السياسية والإعلامية تجاه الإسلام والمملكة، وفي مستوى تعاملها المهني والفكري مع الأحداث الأمنية داخل البلاد التي ننتمي إليها وتنتمي إليها رؤوس أموال تلك القنوات. وإن من الموضوعية والنقد الأمين لمسيرة هذه القنوات أن نتعرف على أسباب تراكمات الاخفاق التي يشهدها البناء البرامجي فيها وهو غياب التخطيط البرامجي المؤسسي، لا أعني التخطيط المادي، أو الاستعداد الفني، أو الحشد البشري لهذه البرامج، وإنما التخطيط الاستراتيجي ذو الرؤية الفكرية الصافية النقية التي تتوافق وثوابتنا وقيم مجتمعنا. تخطيط معنوي ينطلق من بيئة الوطن ويفهم مفرداته وواقعه وطبيعته ويحترم منظومة الأخلاق فيه، تقوم عليه كوادر وطنية متخصصة تحمل ذلك الهمّ وتحفظ تلك الثوابت. أي نعم، تغص قنواتنا الفضائية بكفاءات مهنية عالية، لكنها لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، لا يحركها انتماء أو توجهها عاطفة، لأنها مدفوعة الأجر، تبيع خبرتها لمن يزيد في ثمنها، وبهذا جمعت قنواتنا الفضائية بين غربتين: غربة الهوية وغربة الوطن. * * * التخطيط الإعلامي يتوجه في غاياته إلى إحداث تغيير نفسي وسلوكي لدى الإنسان، تغيير يستهدف المواقف والاتجاهات والقناعات وفق رؤية فكرية وثقافية يتكامل فيها الخطاب مع الوسيلة وفقما هو متاح من أولويات لا تنفصل البتة عن أولويات الوطن ومبادئه وإذ نلحظ غياب كثير من هذه الأولويات، وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها بلادنا، فإن الفجوة لا تزال تتسع بين ما نريد من هذه القنوات وبين ما هو واقع وملموس ولا تزال جماهير الأمة تعيش معاناة تقليدية الإعلام الحكومي وفراغ الإعلام الفضائي الخاص، وها هو الإعلام بنوعيه ومن وراءه الرأي العام يجني الثمار المرة لغياب هذه الرؤية. * * * إن مؤسساتنا الإعلامية الفضائية التي أنشئت برأسمال سعودي، والتي لا نشك في وطنية أصحابها، انساقت من حيث تدري أو لا تعي وراء ما قدمته لها الخبرات (غير الوطنية) من أرقام وأرباح تزامنت في التنفيذ مع التهميش لقضايانا الكبرى والدور الذي يجب أن تقوم به في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. لسنا بالتأكيد ضد مبدأ الربحية فهو حق مشروع لكل مستثمر في الإعلام، لكننا في وقت الأزمات - كما في غيرها أيضاً - نطالب بترتيب الأولويات حتى لا نخسر معركة الفكر التي نخوضها الآن داخل البلاد وخارجها.
|