* القاهرة - مكتب الجزيرة - عبد الله الحصري:
أعلن البنك الدولي في أحدث تقرير له عن الاقتصاد الفلسطيني أنه لا يزال يعاني ركوداً حاداً مقارنة بمستواه قبل اندلاع الانتفاضة، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني بمقدار 23%، كما انخفض متوسط إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للفرد بنسبة 35% عمّا كان عليه قبل اندلاع الانتفاضة.
وأشار التقرير إلى أن معدل البطالة البالغ حوالي 25% في عام 2003م - 2004م (مقابل 10% عشية اندلاع الانتفاضة) يعكس حقيقة أن الاقتصاد الفلسطيني يعمل بصورة تقل بكثير عن إمكاناته، وأن البطالة على وجه الخصوص تعد أشد ما يعاني منه الشباب الفلسطيني، حيث بلغت نسبة الشباب العاطلين عن العمل حوالي 37% بنهاية عام 2003م مقابل 14% عشية اندلاع الانتفاضة في شهر سبتمبر من عام 2000م.
وطبقاً لتقديرات البنك الدولي شهد إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني الحقيقي نمواً بلغت نسبته 6% في عام 2003م، فيما عدّ التقرير أن النمو الإيجابي - الذي تحقق في عام 2003م يعدّ تحسناً كبيراً مقارنة بالعامين السابقين اللذين شهدا انكماشاً في الاقتصاد الفلسطيني زادت نسبته على 25%،وذلك نتيجة التحسن الذي شهده عام 2003م لانخفاض عدد العمليات الاستشهادية عن ذي قبل، وذلك في غضون الأشهر القليلة التي تلت الإعلان عن خريطة الطريق في شهر أبريل من عام 2003م، مما أسفر عن (زيادة تعويضية) في أنشطة القطاع الخاص وإنفاق الأسر.
ويكشف التقرير عن أن مؤشرات سوق العمل للنصف الأول من عام 2004م تدل على قرب انتهاء هذا الانتعاش المتواضع.
وشهد عام 2003م خلق حوالي 104 آلاف فرصة عمل جديدة للعمال الفلسطينيين، وهو ما يوازي زيادة نسبتها 21% في عدد الوظائف مقارنة بعام 2002م، وكان النمو في فرص العمل على وجه الخصوص كبيراً في قطاع غزة، حيث زاد حجم العمالة بنسبة 32% في عام 2003م وانخفضت معدلات البطالة من نسبة بلغ متوسطها 31.4% في عام 2002م إلى ما نسبته 25.7%.
وانعكست مسارات هذه الاتجاهات مؤخراً، ولاسيما في قطاع غزة، حيث فقد الاقتصاد الفلسطيني خلال النصف الأول من عام 2004م - أكثر من 22 ألف فرصة عمل، كان النصيب الأكبر منها في قطاع غزة الذي فقد 20 ألف فرصة عمل، فيما صمدت العمالة في الضفة الغربية نظراً للزيادة الكبيرة في عدد وظائف غير المتفرغين بسبب انخفاض عدد وظائف المتفرغين بحوالي 17 ألف فرصة عمل في النصف الأول من عام 2004م.
وفي الربع الثاني من عام 2004م أعلن مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني عن انخفاض عدد العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل إلى أدنى حد له على الإطلاق، إذ لم يزد عددهم على 186 عاملاً. كما أدت الانتفاضة إلى وضع الحسابات المالية المهمة للسلطة الفلسطينية في حالة من الفوضى الحادة، إلا أن حدة الوضع قد خفت إلى حد ما في عام 2003م وزادت الإيرادات المالية نتيجة للتحسّن في جباية الضرائب، واستئناف تحويلات الإيرادات المحتجزة، وتثبيت الاقتصاد الكلي، وشكّلت إيرادات المقاصة مبلغ 442 مليون دولار في عام 2003م، مقابل مبلغ 150 مليون دولار في عام 2002م، كما أعادت حكومة إسرائيل ما مجموعه 294 مليون دولار من إيرادات المقاصة التي سبق احتجازها إلى السلطة الفلسطينية، مما سمح للسلطة بدفع بعض المتأخرات المستحقة عليها إلى الموردين، وهي متأخرات تراكمت خلال عام 2002م مما أتاح تعزيزاً للسيولة في القطاع الخاص.
وطبقاً للتقرير، تعززت الإيرادات نتيجة للإصلاحات التي شهدتها هيئة البترول التي جرى وضعها تحت السيطرة المباشرة لوزارة المالية في يوليو من عام 2003م، إلا أن نفقات السلطة الفلسطينية تجاوزت الحدود التي أقرّتها موازنة عام 2003م، نظراً لاتساع نطاق فاتورة رواتب وأجور العاملين في القطاع العام، ففي حين ظل التوظيف في أجهزة الخدمة المدنية في حدود القيود التي وضعتها موازنة عام 2003م، زاد عدد العاملين بقطاع الأمن بمقدار 3.443 شخصاً في عام 2003م رغم أن الموازنة نصت على تجميد التعيين، مما أدى إلى وصول الزيادة الكلية في كشوف رواتب العاملين بالقطاع العام إلى 5300 شخص، أي ضعف المستوى المسموح به في الموازنة تقريباً.
وفي نفس الوقت زادت رواتب القطاع العام بنسبة 15% في عام 2003م، نظراً لإصرار المجلس التشريعي الفلسطيني على تنفيذ أحكام قانون جهاز الخدمة المدنية لعام 1998م. ثم تعرضت موازنة السلطة الفلسطينية لمزيد من الضغوط بسبب أعباء دفع فواتير خدمات المرافق البلدية المستحقة للموردين الإسرائيليين، مما زاد الفجوة التي تعاني منها السلطة في التمويل إلى مبلغ 561 مليون دولار أمريكي (19% من إجمالي الناتج المحلي) في عام 2003م.
مساعدة البنك الدولي
ويؤكد التقرير أنه نظراً لأن الضفة الغربية وقطاع غزة ليستا دولة ذات سيادة، فلا يمكنها التقدم بطلب انضمام لعضوية صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، وبالتالي فهي غير مؤهلة لمصادر التمويل المتاحة عادة للدول الأعضاء، ولذلك أُنشئ (الصندوق الاستئماني الخاص بقطاع غزة والضفة الغربية) في عام 1993م، والذي يجري تجديد موارده بصفة دورية من خلال مخصصات من فائض/صافي دخل البنك الدولي.
وقد تم حتى اليوم تقديم ستة مخصصات بلغ مجموعها 460 مليون دولار، كان آخرها في شهر سبتمبر من عام 2003م.
وفي سياق الأزمة الراهنة تستهدف إستراتيجية البنك الدولي - كما حددت خطوطها العريضة في أحدث تقرير عن كل من الصندوق الاستئماني الخاص بقطاع غزة والضفة الغربية، واستراتيجية التعامل مع الوضع الراهن، وطلب تجديد موارده الذي جرى رفعه إلى مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي بتاريخ 2 ديسمبر من عام 2003م
تحقيق غرض مزدوج
مواصلة بناء الأطر المؤسسية استعداداً لإنشاء الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف، ومواصلة دعم الجهود الجماعية للجهات المانحة لمواجهة الحالات الطارئة.
وقدم البنك الدولي ارتباطات بمبلغ 163 مليون دولار من الصندوق الاستئماني الخاص بقطاع غزة والضفة الغربية خلال الانتفاضة، خُصص منها 92.5 مليون دولار لأنشطة الطوارئ.
وأوضح التقرير أن مشروعي مساندة خدمات الطوارئ الأول والثاني يُعتبران مثالين على استجابة البنك الدولي في حالات الطوارئ: فهدفهما المشترك هو تخفيف حدة التدهور الحاصل في الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية الناجم عن عجز السلطة الفلسطينية عن تمويل تقديم تلك الخدمات.
وقد جرى تخصيص مبلغ 60 مليون دولار من الصندوق الاستئماني الخاص بقطاع غزة والضفة الغربية، فضلاً عن إتاحة جهات مانحة أخرى لمبلغ 65 مليون دولار أخرى.
ويدفع المشروعان في الوقت الراهن ما يزيد على 5 ملايين من الدولارات من حصيلتهما شهرياً، بما يعادل 80% تقريباً من الموازنة الإجمالية غير الرواتب الخاصة بكل من وزارات التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية.
وتشمل العمليات التي تمت الموافقة عليها حديثاً مشروعاً تبلغ تكلفته 20 مليون دولار لمساندة صندوق إصلاح إدارة شؤون المالية العامة (صندوق الإصلاح).
وجاء إنشاء هذا الصندوق بناءً على طلب تقدمت به السلطة الفلسطينية إلى البنك الدولي في اجتماع لجنة الارتباط الخاصة (بقطاع غزة والضفة الغربية) في 10 ديسمبر (2003م) لإنشاء آلية جديدة يتم من خلالها تشجيع الجهات المانحة على تجميع المساهمات التي تتيحها لدفعها إلى حساب الخزانة المركزية بوزارة المالية.
وبدأ هذا الصندوق أعماله في شهر إبريل، ويبلغ حجم الارتباطات التي تعهدت بها الجهات المانحة حتى الآن ما يزيد على 130 مليون دولار أمريكي. ويجري دفع حصيلة هذه الأموال إلى السلطة الفلسطينية مقابل إنجازها لمجموعة من المؤشرات يجري الاتفاق عليها بواقع مرتين سنوياً.
|