Wednesday 24th November,200411745العددالاربعاء 12 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

26 ربيع الأول 1392هـ الموافق 9 مايو 1972م العدد 390 26 ربيع الأول 1392هـ الموافق 9 مايو 1972م العدد 390
اللاعب الذي أكل الصلصة والتونة فلم يقبل تسجيله رغم حبه للكرة.!!

لعب بالنعمة، وأكل الصلصة وعلباً من التونة ورطالاً من الدقيق، ومع ذلك لم يسجل في الفريق. بل على الأصح كان يريد التسجيل. وهذه أمنيته.. وأمنية كل الذين يتضوعون جوعاً. ولكنه لم يوفق.. واعتذر الفريق عن تسجيله وأبدى المسؤولون أسفهم للوسيط المشجع.
ومشجعو الكرة في مدينة ممباسا أغلبهم من صبيان المطاعم. وهوسة التشجيع.. بلغت بهم حد التطوع وإطعام اللاعبين مجاناً من مال الغير.. وتحقيق مطالبهم في كل ما يطلبون .. واللاعب في ممباسا لا يتدلع على أحد ولا يتدلل كما يتدلع على صبيان المطاعم.. اللاعب يعرف بحاسة اللاعبين.. وان هذا مشجع.. وجنون المشجعين ليس له حدود.. فيدخل الواحد منهم المطعم.. ليس كل مطعم طبعاً.. وإنما المطعم الذي صبيانه يشجعون الفريق الذي يلعب له.. ويأكل ويشرب ويخرج من الباب الخلفي وهم وراءه يقولون (بالهناء والعافية) .. وكذلك الحال بالنسبة لصبيان البقالات والدكاكين.
كثيراً ما أفلست مطاعمهم.. وكثيراً ما أغلقت أعداد من البقالات والدكاكين.
هذه الأمور كل واحد في مدينة ممباسا كان يعرف عنها.. إلا أصحاب المطاعم والبقالات والدكاكين.. فهم آخر من يعرف عنها.
وصاحبنا هذا ولنسمه (تشارو كاريبا) شاب ذكي وموهوب يسكن في غرفة بجوار بقالة الصبي الذي يعمل فيها له اتصال بأحد النوادي..
بل كان عضواً فيه.. ويدفع اشتراكاً شهرياً من راتبه البسيط.
وكون (تشارو) موهوباً، فهو كذلك في اللعب بحبوب البرتقال والليمون.. في هذه الحدود انحصرت موهبته وتجمدت.
فلا هو اللاعب، ولا هو القادر على اللعب. وهذا هو نصيبه في كرة القدم بين اللاعبين. رضي به وابتعد.. بعد أن أدرك ذلك من زمن بعيد ففي المدرسة عجز عن مشاركة زملائه وسط دهشة المسؤولين عن فريق كرة القدم الذين كانوا يشاهدونه في حديقة المدرسة وهو ينطنط حبة الليمون على قدمه أكثر من أربعين مرة.
كان عاطلاً عن العمل، ستة أشهر مضت وهو بدون عمل.
كان شبح الجوع يهدده، وهذا يعني أن عليه أن يتجاوز اقتناعه بنفسه.. ولكي يبعد عن نفسه الفاقة عليه إثبات فشله من جديد. وقبل ذلك استطاع أن يناور كثيراً.. حتى أكل كثيراً وأزال عن نفسه شبح الجوع الذي كان يهدده.
في البداية كان يحضر، ويقف عند باب البقالة، حين لا يكون فيها غير الصبي، يتناول حبة ليمون ويبدأ بعروض جميلة يظهر خلالها مهارات فنية عالية تفوق التصور، وقل توفرها في لاعبين كبار. في البداية عندما سأله الصبي أكد له انه غير مسجل لأي من النوادي.. الموجودة.. حتى كان الصبي كل يوم يرجوه التسجيل ويلح عليه. وكان يتأنى.. ولا يريد أن يعجل بنهاية هذه النعمة والفرصة التي لن تتكرر.
ويخرج من البقالة ومعه كيس ورق مملوء بالطحين، وثلاث علب صلصلة، ومثلها تونة، وعرق بصل وحبة الليمون التي كان يلعب بها إن لم يزد عليها.
واستمر الحال كذلك وسط رجاء وإلحاح.. وتصرف كتصرف اللاعبين الكبار.. المدللين..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved