الناس بعد رحيل رمضان ينقسمون إلى عدة أقسام : فمنهم قسم يستمر على تلاوته للقرآن وصلاة الفجر مع الجماعة وصيام التطوع وصلة الأرحام والصدقة والبر وغير ذلك ، ومنهم من يقل أداؤه لهذه الأعمال بصورة كبيرة جداً لا تصل إلى الترك لكنها تصل إلى الندرة - إن جاز التعبير !! ، ومنهم من يقلع إقلاعا كلياً عن هذه الأعمال فلا يقرأ القرآن إلا في رمضان ، ولا يصلي الفجر مع جماعة المسلمين إلا في رمضان !! ، وهكذا فرمضان عنده ربما اختص بهذه الأعمال واختصت هذه الاعمال به !! ، ولا ريب أن هذا خطأ في الفهم من الصنف الثاني والثالث ، فمن قلل أداءه لتلك الأعمال إلى حد الندرة فهو مخطئ ، ومن تركها جملة وتفصيلا لهو أشد خطأ !!
فالله جل وعلا قال : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } ، فعبادة الله والتقرب إليه ليس لها زمن محدود أو وقت معلوم ، وهذا يعني الاستمرارية في هذه العبادات والقربات لكل مسلم ومسلمة ما دام كل منهما مكلفا !! ، كما أن الإنسان إذا جمع ربحا من تجارته فليس من العقل أن يفرط به ، بل العقل كل العقل أن يستثمره ويزيد منه فالاستمرار على العمل الصالح هو دأب الصالحين العارفين قال تعالي : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } ، ولا ريب أن الواجب على المسلم أن يكون أكثر حرصا في مواسم الطاعات ، لكن في غيرها لا يصل به الأمر إلى الندرة وربما الإقلاع ، ولهذا عدة أسباب منها فقدان القدوة في البيت فالأبناء في البيت إذا لم يروا أن الأم والأب في غير رمضان يجتهدان في الطاعات والقربات بل يرونهم قد تركوا الأركان وناموا عنها كصلاة الفجر مع الجماعة مثلا بالنسبة للأب ، ناهيك عن قراءة القرآن وصيام التطوع وغير ذلك من القربات ، ومن الأسباب أيضا ضعف الوازع الديني فمن الناس لا يألم لفوات طاعة أو ترك قربة ، ومن الأسباب أيضا الانغماس في شهوات هذه الحياة الدنيا والخلود إلى الأرض وكثرة الفتن وسهولة وسرعة التعرض لها دون تقنين وترشيد ومستوى رقابة ذي نظرة وسطية للأمور ، ومن الأسباب غياب شعيرة الأمر بالمعروف والنهي المنكر في المحيط الأسري ، ومن الأسباب عدم الاحتساب والصبر على طاعة الله ، وعدم اقتفاء سير الصالحين وعلى رأسهم أمامهم محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان من أصبر الناس على طاعة الله والتي لا ريب أنها شاقة ، لكن الله إذا علم صدق العبد ونقاء وصفاء نيته أكرمه بهذه النعمة العظيمة ألا وهي الصبر على طاعته جل وعلا .. نسأل الله جميع أن يعيده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن بأمن وأمان وصحة في الأبدان على طاعة الله الواحد الأحد.
ajardan@maktoob,com |