الحمد لله الملك القدوس السلام، أحمده سبحانه أن هدانا للإسلام، وأشكره جل ذكره على سابغ الانعام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي يسّر العبادات، وضاعف المثوبة على خالص الطاعات، وجعل فريضة الزكاة قرينة الصلاة، في الذكر وعظم الشأن وعظيم المثوبة وخطر العقوبة في محكم الآيات.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله أجود الناس بالخير، وأسرعهم إلى البر، وأكرمهم في البذل، وأحسن عشرة للأصحاب والأهل، وأرحمهم بالمحتاجين، وأرافهم بالمسلمين..صلى الله وسلم عليه وعلى أهله وخلفائه وبقية أصحابه رضي الله عنهم الذين كانوا يسارعون في الخيرات ويجودون بالزكاة في أنواع البر والصدقات.
كما أثنى الله تعالى عليهم في محكم القرآن ووعدهم عليه بالمغفرة والرضوان، والفوز بالفردوس من الجنان.
أما بعد: فيا ايها الناس اتقوا الله تعالى واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة تكونوا من المحسنين: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}.
عباد الله: اعلموا ان الله تعالى قد آتاكم الخير الكثير، واستقرضكم منه القدر اليسير، ليبلوكم فيما آتاكم وليضاعف لكم المثوبة يوم لقاكم، وليتبين من ظاهر حالكم وواقع أعمالكم أهل الجود الذين هم أهل لمجاورة الله تعالى في جنة عدن، من أهل البخل الذين جهنم أولى بهم لقبضهم ايديهم، {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
معشر المسلمين: لقد فرض الله تعالى الزكاة في أموال الأغنياء من أهل الإسلام، مقداراً يسيراً يرد على مستحقيه من أهل الإسلام: من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين؛ لتكون تفريجاً لهمومهم، وعوناً لهم على دينهم، وللمؤلفة قلوبهم، المجاهدين في سبيل الله؛ هداية للإسلام، وتمكينا للدعوة ونصرة للمسلمين، فأخرجوا - عباد الله - زكاتكم لأهلها؛ تبرأٌ ذممكم، وترضوا ربكم، وتستزيدوا رزقكم، وتواسوا إخوانكم، وتنصروا دينكم، وتكونوا من الشاكرين المحسنين المتجرين مع رب العالمين، أرحم الراحمين، وخير الرازقين، ولتتصفوا بالصلاح، وتفوزا بجليل الأرباح، وعظيم الفلاح، فإن الله تعالى يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين.
أيها المسلمون: إن الزكاة تزكية وتنمية لإيمان المُزَكّي، والمتصدق عليه، وتنمية للمال الذي تخرج منه، فإنها تحل البركة فيه، وتدفع الآفة عنه، وهي كذلك تنمي الأعمال فتجبر نقصها، وتكمل أجرها، وتزكي نفوس أهلها، فتطهرها من شحها وبخلها، وذنوبها وإثمها، وهي كذلكم ترقق القلوب، وتصرف عن أهلها عقوبات الذنوب، وتؤمنهم عن أهوال يوم القيامة وما فيه من أنواع الشدائد والكروب.
أيها المؤمنون: الأموال التي تجب فيها الزكاة أنواع:
الأول: الأموال الظاهرة؛ وهي بهيمة الأنعام، والزرع والثمار.
الثاني: الخارج من الأرض؛ من المعادن المملوكة، والكنوز المدفونة التي يعثر عليها، وهذه الأموال لها أنصبة مقدرة وشروط معتبرة، وولي الأمر هو المكلف بها؛ يبعث السعاة عليها لتقديرها وقبضها من أهلها، وإيداعها في بيت المال، وصرفها لمستحقيها؛ فإذا لم يطلبها ولي الأمر وجب على صاحبها أن يقوم بما يجب عليه نحوها.
الثالث: الاموال الباطنة وهي الذهب والفضة وما يلحق بها من الأوراق النقدية وأنواع العملة وعروض التجارة من أنواع البضائع والأسهم ونحوهما مما تباح التجارة به، ويُطلب نماؤه وربحه؛ فهذه الأموال إذا بلغت نصابا فأكثر وجب على مالكها عند مضي حولها أو حول أصلها أن يحصي ما لديه منها وأن يخرج زكاتها؛ وهي ربع عشرها أو ربع عشر قيمتها حين الحول، وهو اثنان ونصف في المائة.
والنصاب - أي أقل ما تجب فيه الزكاة - من الذهب: اثنان وتسعون غراما، ومن الفضة: خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً، ومن الأوراق النقدية والعُمل الأجنبية ما بلغ قيمة نصاب الذهب أو الفضة فيخرج ربع عشر قيمتها أي اثنان ونصف في المائة، وهكذا الأسهم: إن كانت تباع فاثنان ونصف في قيمتها، وإن كانت للاستثمار فاثنان ونصف من ربحها السنوي.
معشر المسلمين: ومما تجب زكاته: البضائع التجارية التي للبيع من المطعومات والمراكب والمعدات والمبلوسات والعقارات وسائر ما هو للبيع مما يباح بيعه، فتقدر قيمته عند الحول بما يساوي ثم يخرج ربع عشر القيمة، أما ما كان من هذه الأشياء معداً للتأجير فيخرج ربع عشر أجرته، فاتقوا الله عباد الله وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم تربحوا وتفلحوا وتنصروا وترزقوا وتجبروا.
( * ) الرياض |