منذ النكبة عام 48م..
والنكسة عام 67م..
مروراً بكل مشروعات ما يسمى بالتسوية السلمية وإلى اليوم..
ومنذ أن حمل ياسر عرفات غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى..
وعلى ذكرى ذلك النداء التاريخي الشهير الذي وجهه إلى العالم من أروقة المنظمة العالمية في نيويورك بقوله: لا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي..
وبكل الحالات الكثيرة والمتنوعة التي مرت بها القضية الفلسطينية المستعصية على الحل وعلى التهميش في آن معاً..
منذ ذلك التاريخ بأطواره وتطوراته وتقلباته وإلى اليوم..
مع الانتفاضة الأولى..
ثم الثانية..
وحيث ولدت فكرة أوسلو كمشروع يفترض أنه يهندس للسلام العادل والشامل والدائم في المنطقة..
وبما أسفرت عنه اجتماعات مدريد..
ولقاءات البيت الأبيض..
وقمة شرم الشيخ..
وما انتهت إليه خريطة الطريق..
منذ انطلاقة منظمة فتح بقيادة الرئيس عرفات في منتصف الستينيات الميلادية من القرن الماضي..
وبما واجهه هذا الزعيم الفلسطيني في الأردن خلال الصدام بين الأردنيين والفلسطينيين فيما سمي بعد ذلك بأيلول الأسود..
وفي لبنان حيث كان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وما آل إليه هذا الاجتياح من إجباره مع رفاق السلاح إلى ترك بيروت ونقله وإياهم بحماية عسكرية أمريكية إلى العاصمة التونسية..
منذ ذلك الحين وإلى أن عاد مرفوع الرأس إلى رام الله ممتطياً حصان النصر قبل أن يؤول به الوضع المتردي في الأراضي المحتلة ليقضي باقي حياته سجيناً بمقره في الجزء الذي بقي صامداً أمام عدوان إسرائيل..
منذ أن قال عرفات إن شعبه -شعب الجبارين- أقوى منه وهو ما لم يقله زعيم من قبل..
ومنذ أن رد على شروط إسرائيل بفك الحصار عنه بالقول: يريدونني طريداً أو سجيناً أو قتيلاً، وأنا أقول لهم: شهيداً شهيداً شهيداً..
بهذه الأجواء والتطورات..
وحيث ظل الرئيس يعتمر في حياته الكوفية الفلسطينية الشهيرة..
ويحتفظ بالبزة العسكرية في حياته وتنقلاته ونشاطاته..
وإلى أن داهمه المرض الخطير لينقل إلى باريس لعل وعسى..
ثم إلى أن جاء أجل الموت ليستريح المحارب الكبير في ذات المكان الذي قضى فيه السنوات الأخيرة من حياته..
نتساءل: وماذا بعد؟!..
لقد سقطت - بوفاة عرفات - كل المسوغات التي اتكأت عليها أمريكا وإسرائيل طويلاً وهما تريان في الزعيم الراحل العقبة الكأداء أمام أي حل للمشكلة الفلسطينية الإسرائيلية..
مثلما أن وفاته جاءت بمثابة تعرية لكل ما كان يثار في حياته من لغط وتساؤلات حول مسؤوليته منفرداً عن تقويض كل مشروعات السلام المزعومة التي ظلت الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الوحيد - وبافتراض النزيه - تبشِّر بها منذ انطلاقتها إبان حياة الزعيم الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين..
لا شك أن رحيل السيد ياسر عرفات سوف يترك فراغاً كبيراً لأنه لا يوجد من هو بمثل مواصفاته من رفاقه، ومن الجيل الثاني من بمقدوره أن يملأه، مثلما أن من الصعب أن يتحد الجميع حول زعيم جديد يصغون إليه بمثل ما كان الأمر عليه مع الرئيس الفلسطيني الاستثنائي ياسر عرفات، مع الاعتراف بأن قيادته لم تسلم من ملحوظة أو نقد أو خطأ كانت كافية لوجود صوت معارض له بين الحين والآخر، بما يمكن أن يفسَّر بأنه نتاج الثورة أو أنه ضمن أدوات بناء الدولة المفترض إقامتها على التراب المحتل..
رحم الله ياسر عرفات وأسكنه فسيح جناته، وهيأ لفلسطين قيادة متمكنة وقادرة على وضع الدولة الفلسطينية موضع التنفيذ بالجهد الدبلوماسي والسياسي دون إسقاط الخيار العسكري إذا ما تطلب الأمر ذلك.
|