Friday 12th November,200411733العددالجمعة 29 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

السيد فلسطين السيد فلسطين
علي العبد الله/كاتب سوري

لم يكن ياسر عرفات، وبكل المقاييس، رجلاً عادياً، فقد اجتمعت في شخصه الجرأة والشجاعة إلى حدة الذكاء والفطنة، حيث كان له فضل تفجير الثورة الفلسطينية المعاصرة وإصدار قرار إطلاق الرصاصة الأولى في اليوم المحدد 1-1-1965، بعد تردد بعض رفاق السلاح. ناهيك عن اقتحام الصعاب وخوض كل معارك الثورة دون تردد أو وجل، من الرد على هزيمة 1967 ومعركة الكرامة إلى أيلول الأسود والليطاني وحصار بيروت، إلى المعركة المفتوحة لحماية استقلال القرار الوطني الفلسطيني ضد محاولات الاختراق والسيطرة والإلحاق.
لقد أدرك بحسّه السليم أهمية ربط الأفراد والحركات بالمشروع الوطني الفلسطيني فقدم لكل الأفراد والقوى كل ما يحصنهم ضد الاختراق - لقد عاب عليه البعض وجود بعض السيئيين في حاشيته. وتقديمه أموال لمنظمات فلسطينية ولبنانية وعربية لا تستحقها، في حان كان منطلقه أن يقدم لهذه المنظمات أموالا كي يبقيها إلى جانبه ويمنع دولا متحفزة عربية وغير عربية من استقطابها واستخدامها ضده كما حصل في فترات عبر جبهة الرفض التي تحالفت مع النظام العراقي ضده، وفتح الانتفاضة التي تحالفت مع سورية لإخراجه من لبنان - ومع إدراكه لاختلال ميزان القوى لصالح العدو الصهيوني فقد صاغ مشروعه الوطني على ضوء رؤية استراتيجية تستهدف تحطيم أسس المشروع الصهيوني في مرتكزاته الفكرية والسياسية: أرض الميعاد، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وترك المستقبل مفتوحا أمام الأجيال لاكمال تحرير فلسطين بعد وضع الشعب الفلسطيني على الخريطة السياسية عبر تمسكه بحق العودة للاجئين والقدس - رفض في كامب ديفيد 2000 التنازل عن حق العودة والقدس وهذا قاد إلى فشل المفاوضات وانفجار انتفاضة الأقصى - والحصول على اعتراف دولي بحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف. حيث غدا تجاهل الشعب الفلسطيني، ناهيك عن تجاهل تطلعاته، أمرا مستحيلا.
وعندما أدرك بحسه السياسي التبدل الذي طرأ على التوازنات الدولية خاصة بعد تآكل حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع التأييد العربي، بعد أن ساد سلوك سياسي عربي همه المحافظة على أوضاع دوله، انحاز إلى الخيار السياسي ودخل في مفاوضات هدفه منها تحقيق رؤيته الاستراتيجية في تثبيت الوجود السياسي للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، عبر حل الدولتين.
لقد طوى النضال الفلسطيني مقولة غولدامائير: (أين هو الشعب الفلسطيني ؟). وأعاد الشعب الفلسطيني إلى الوجود السياسي بقوة، فقد اعترف كبير مستشاري القاتل شارون بذلك عندما قال لمجلة نيوزويك الأمريكية:(كان خطأ تصور الحركة الصهيونية لفلسطين باعتبارها مساحة جغرافية في حين أنها حقيقة بشرية)، كما أكده المجتمع الدولي عندما وافق على خطة خارطة الطريق وشكل لجنة رباعية لمتابعة تنفيذها.
إن نضال ياسر عرفات ودوره في الثورة الفلسطينية المعاصرة جعلته والقضية الفلسطينية وجهان لعملة واحدة وغدا حضوره بكوفيته التي اعتاد أن يشكل من طياتها خارطة فلسطين، تعبيرا عن حضور فلسطين حيث وصفه الإعلام الغربي ذات يوم بالسيد فلسطين.
في سنة 1965، وكان اسمه الحركي حين ذاك الدكتور محمد تحير أحد رفاقه قائلا: يا دكتور أريد أن أسأل إنك تكلمني عن الثورة منذ شهور، وها أنت منهمك، منذ ثلاثة أيام، في صنع لغم واحد، فما هذه الثورة إذن ؟. فأجابه ياسر عرفات: يا محمود نحن لا نصنع لغما لإعلان الثورة فقط، بل نصنع صاعقا سيفجر الثورة في المنطقة العربية كلها. ومنذ ذلك التاريخ انطلقت العاصفة ولم تتوقف. ومنذ ذلك التاريخ عادت فلسطين إلى خريطة العالم، وصار ياسر عرفات أحد أكبر صناع السياسة في المنطقة العربية وأحد أبطال التحرر الوطني في العالم.
قال عنه ناحوم غولد مان، رئيس المنظمة اليهودية آنذاك، حين ما استمع إلى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974: (لقد هز ياسر عرفات في داخلي تاريخا من غياب الوعي، وجعلني أشعر بأنه مازال ممكنا أن تلد أرض فلسطين الأنبياء).
لقد سعت اسرائيل عبر رفض الاعتراف بشرعيته إلى نزع مشروع دولة فلسطينية مستقلة باعتبار غيابه ضربة كبيرة للمقاومة والممانعة السياسية, دون نجاح حيث بقي الشعب الفلسطيني يرى فيه رمز نضاله وضمانة لتحقيق أهدافه الوطنية المشروعة، فلجأت إلى اغتياله صحيا عبر فرض الحصار على مقره في رام الله.
إن غياب ياسر عرفات عن قيادة النضال الوطني الفلسطيني في هذا الظرف الدقيق يزيد المخاطر والعقبات أمام أهداف النضال الفلسطيني خاصة في ظل الأوضاع الداخلية الفلسطينية: تعدد المرجعيات والبرامج والخطط السياسية والعسكرية، حالة الفوضى وما ترتب عليها من إحباط في الشارع الفلسطيني، الأوضاع غير السليمة في حركة فتح تنظيميا وإداريا، حيث ما لم تحدث مراجعة الأوضاع في حركة فتح فلن تحدث مراجعة للأوضاع في السلطة الفلسطينية أو أي إطار آخر.
فالشعب متماسك وصامد، لكن ازدواجية آليات مواجهة الاحتلال تثير انطباعات سلبية في الرأي العام العالمي وتبرر الوحشية الإسرائيلية وتشوّه المصداقية الفلسطينية مما يترتب عليها من إحباط في الشارع نتيجة فشل السلطة الوطنية في مواجهة هذه الوحشية، خاصة مع غياب الخدمات وسوء الإدارة وشح الإمكانات.
إن هذا يستدعي استثمار اللحظة العاطفية والتكاتف الوطني الرائع بالتحرك لإنجاز تفاهم سياسي على برنامج حد أدنى لإدارة الصراع مع العدو في هذه المرحلة وتشكيل مرجعية واحدة: قيادة وطنية موحدة تخاطب العالم بلسان واحد علّها تنجح في تحسين الصورة في الرأي العام العالمي وتستعيد التأييد الدولي لقضية فلسطين العادلة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved