Friday 12th November,200411733العددالجمعة 29 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

وداعاً عرفات وداعاً عرفات
أميمة عباس /كاتبة سورية

من ظروف الحزن ، من مخيمات توزع فيها شتات شعب ظلم ، تجمعت خيوط نهوض جديد ، خيوط حياة جديدة ، حياة النضال من أجل استرجاع الحقوق في الأرض في الحياة الحرة الكريمة ، على درب الحرية والعدل والمساواة بين الشعوب.
في هذا المخاض الطويل كانت يداه الحانيتان تمسحان جراح شعب حاولوا دفنه ، دفعه إلى الغياب الأبدي ، إلى الفناء ، وتنفخ في الأفراد والجموع الإحساس بالحياة ، بالوجود ،بالكرامة ، بالخروج من إيقاع حياة فرضتها قوى ظالمة ، حياة بائسة حدودها التلاشي والاندثار .. لكن العاصفة - الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح - غيرت اتجاه الريح وأرسلت في الأجساد القوة والعزيمة وأثارت في النفوس الأحلام الكبيرة ، كان إطلاق الرصاصة الأولى يوم 1-1-1965خروجا على مصير فرضه أعداء أقوياء (بعث الشهيد ودحرج الحجر من قال إني لاجىء كفر) ، في ميدان الصراع العظيم من أجل حياة حرة كريمة سقط مئات الآلاف من أبناء فلسطين ومعهم عرب كثيرون ، بحيث لم تخل مدينة فلسطينية أو عربية مجاورة لفلسطين من مقابر شهداء ، وولد تقليد التشييع الفلسطيني وطقوس العزاء بأجوائه الاحتفالية التي تشبه احتفال زفاف عريس ، وطقس زيارة المقابر في صباح كل يوم عيد ، الذي حوله بيده الحانية وعواطفه الوطنية من مناسبة دينية إلى لحظة وطنية يشد فيها من عزم الجموع على مواصلة النضال والتضحية من أجل عالم أفضل لشعب فلسطين ، لقد كانت كلماته التي تشحذ الروح والجسد وتملأهما بالدفء والحياة والأمل ( عيدنا يوم عودتنا) ،
عاد إلى الوطن ، جمع حوله الأهل والأحباب ، وزع روحه وآماله الكبيرة على الحشود ، دعاهم إلى التقدم إلى الأمل العظيم ( شبل أو زهرة سترفع علم فلسطين على أسوار القدس ، على مآذن القدس ، على كنائس القدس) ، وحين انقلب الأعداء على سلام الشجعان الذي أراده ، وعادوا إلى سياسة كل شيء أو لا شيء ، جدد النداء وطالب بالصمود والتضحية (عالقدس رايحين شهداء بالملايين) دون تردد ، دون وجل ، لن نخرج إلى تيه جديد (إننا هاهنا باقون كالجدار في حلوقكم كشوك الصبار) ، لن نسير إلى الخلف لن نخرج من الساح حتى نقيم دولتنا الحرة المستقلة .
كنا نعرفه ، يمر بيننا ، ساحات بيروت ، لمسة حنانه ، طراوة روحه ، يديه الحانية جمعت الأحباب ، مدت أواصر الروح ، شوارع بيروت عام 82 ليست ميدان قتال ، إنها روح الأهل ، أجسادهم ، بيوتهم ، حياتهم ، المتاريس يقف خلفها أبناء وأخوة وأحباب ، كان يمر عليها يمسح جراحها ، يطلق العنان لروحها (أرى مآذن القدس ، أرى كنائس القدس ، أرى النور في نهاية النفق) ، وحتى عندما أجبروه على الخروج من فضاء بيروت قال لمن سأله إلى أين يا أبا عمار ؟ قال : إلى القدس ، وحين طوقت الدبابات عرينه في رام الله ولم تبق له إلا حدود التنفس لم يجزع ولم ينهار بل صاح فيهم شهيدا شهيدا شهيدا ، ليبقَ شعلة متوهجة تنير الدرب وتشحذ الهمم وتملأ القلوب بالأمل والصمود ،
إنه يعرفنا ، يعرف الأبناء والأحفاد يعرف الأسماء يعرف المدن والبلدات والقرى التي جئنا منها ، يعرف الطلاب في المهاجر ، يتعلمون من أجل فلسطين ، من أجل شعب فلسطين ، مسح دموع أطفالنا وجراح كبارنا وأطلق مشاعرنا وشحنها بالآمال والطموح في حياة لها المجد ، لها القدس وكل ساحات فلسطين ، لم تكسره المنافي ، لم يكسره استخذاء الرجال ، لم يكسره الألم ،
وعندما قرر الرحيل لم يترك الأهل دون زاد قدم وقودا لسراجهم كي يبقي الطريق واضحا ، قال لهم عند الباب : (لا تختلفوا .. فاوضوا لكن لا تتنازلوا عن القدس) ، المحبة لك والمجد لك وإنا على الدرب سائرون ، العهد هو العهد والقسم هو القسم وإنا لمنتصرون .


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved