Friday 12th November,200411733العددالجمعة 29 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

عرفات سجين المقاطعة وموت الغربة عرفات سجين المقاطعة وموت الغربة
د. فضل شرورو /كاتب وقيادي فلسطيني

لم تطبع شخصية قيادية فلسطينية الأحداث بطابعها، منذ بدايات العام 1965 وحتى يومنا هذا مثلما فعلت شخصية ياسر عرفات، سواء بالتأييد أو بالمعارضة بتعايش حيناً، وتعارض حاد أحياناً.
التناقض صفة طبعت مسيرته السياسية حتى النهايات.. من ناطق رسمي لحركة فتح إلى رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، من مقاوم، إلى استعراض حرس الشرف والسير على السجادة الحمراء و استقبال الرؤساء ومزاملتهم، إلى الاحتفاء به في أروقة الأمم المتحدة والبيت الأبيض، فجائزة نوبل، إلى سجين مبنى المقاطعة في رام الله، وإلى شخص منبوذ من الولايات المتحدة الأمريكية، ممنوع الاتصال به، مطلوب منه التخلي عن الإمساك بكل الخيوط في السلطة والأمن والمالية والاتصالات السياسية، إلى مرضه المحير الأخير، إلى تنوع الأطباء والتشخيصات والحالة المرضية إلى الوصية والخلافة والمرقد الأخير.. خلال كل ذلك.. كان النهج الذي اعتمد مقولة (السياسة فن الممكن) مثار الخلاف في الساحة الفلسطينية، البعض رأى في ذلك إغراق في الواقعية،إلى درجة تتخطى الخطوط الوطنية الحمر.
ورأى البعض الآخر.. إنها السياسة التي تبقي اسم (فلسطين) على خرائط العالم السياسية، بعد عصف المتغيرات الدولية والإقليمية.. قد تكون هذه قراءة سياسية هادئة، لكنها كانت شرارة أحرقت الساحة الفلسطينية وجعلتها شيعاً وقبائل.. ومع ذلك فقد طبعت هذه المرحلة السياسية بطابع شخصية ياسر عرفات.. التي استمرت عصية عن التجاوز أو عصية عن النكران ساعد على ذلك تناقض مقابل، هو تناقض حلف الخصوم شارون - بوش الذي كان يريد تجاوز عرفات، وفي الوقت نفسه، يريده كشريك، لأن الساحة خلت من شخصية تتجمع فيها متطلبات مسار التسويات.
من هنا سر مقولة عرفات حول الرقم الصعب، أو المعادلة الصعبة.. كنا في مرحلة العمل السري، في (لجنة الطوارئ القيادية) العام 1965 العازبين الوحيدين.. عرفات، وكاتب هذه السطور، وعندما تنتهي الاجتماعات ما بعد منتصف الليل.. يصر عرفات عليّ لمرافقته في سيارته (الفولكس فاغن - الخنفسة) الزرقاء.. ويسير في شوارع المدينة والأرياف.. كان يسكنه الحلم الواسع العريض يتحدث عن الإعلام وكأنه ينشر كل الصحف والإذاعات.. أو كأنه سخرها لتكون كلها ناطقة باسم (الثورة) لأنه كان يرى أن الجميع، بالثقافة، أو بالحاجة، تسكنه قضية فلسطين.. لكن (الحلم) الذي يتحدث عنه.. إنما كان دمجاً أو تلاحماً بين الشخص والقضية.. عرفات والمسار.. لم ينفصل يوماً، بل تضخم في أكثر من مرحلة.. خاصة بعد هزيمة حزيران 1967 وبعد الخروج من الحصار في بيروت العام 1982، وذلك يحتاج إلى حديث آخر.
خلال حوار القاهرة الثاني في 24 -1- 2003 تناول الدكتور زكريا الآغا الهاتف وتحدث مع عرفات، دون أن ندري، ثم ناول الهاتف للصديق العزيز طلال ناجي، حيث عرفت أنه يتحدث مع ياسر عرفات في رام الله، ثم ناولني الهاتف.. كان آخر الكلام مع عرفات في الجزائر العام 1983 ومع ذلك فقد بدأ الكلام وكأنه يتابع حديثاً متصلاً، ثم مذكراً (بالحلم) الذي كان يحدثني عنه أثناء ركوبنا (الفولكس فاغن) الزرقاء.. سنوات (الأسر) في مبنى المقاطعة في رام الله، عمّدت عرفات، وصارت هذه الاتصالات، هي الحديث الذي يحاول أن يجسر هوة الخلافات التي نشبت عند تباين الآراء واختلافها منذ ما قبل مدريد 1991 وحيث الفراق الكبير في ثلج أوسلو العام 1993، سنوات (الأسر) في مبنى المقاطعة وما سبقه من مواقف في كامب ديفيد الفلسطيني، ثم ما تسرب عن العلاقة بين عرفات وكتائب الأقصى.. ثم غموض مرضه.. وانتشار حديث المؤامرة، والتسمم.. كلها عوامل وأحداث ومواقف.. جعلت عرفات، مرة أخرى، حالة رمزية فلسطينية، تجاوزت الكوفية والعقال وحولته إلى (ضحية) لكنها (ضحية) بقيت ثابته رغم كل الضغوط وتكاتفها.. غياب عرفات.. يشغل الناس، بمسألتين مسألة رئاسة السلطة، ومسألة رئاسة اللجنة التنفيذية.. وقد يكون من الصعب، أن تجتمع في شخص واحد.. ليس للرغبة في توزيع الصلاحيات بل لأن مرحلة عرفات التي كانت تجمع كل شيء.. انتهت.. لكن المسألة الأهم.. تتمثل بأن جيلاً من الرواد قد بدأت شمسه تميل إلى الغروب.. ومن الطبيعي.. أن تمهد لشروقها على جيل جديد.. في العمر والعقلية والنهج والأسلوب.. جيل يستطيع.. وعلى عين الرواد، واستفادة من تراكم خبرتهم، أن يستمر معتنقاً ثقافة المقاومة إلى حد اليقين أولاً، ثم يجترح أسلوبه الذي يرتكز أساساً على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، فإن أولى مطامح الشعب الفلسطيني، الآن، وبإلحاح ظاهر، هو عودة اللحمة الوطنية إلى الساحة الفلسطينية.. ولقد برزت شخصيات شبابية تقول عن نفسها بأنها من (جيل عابر للتنظيمات) لا تريد أن ترث خلافات الماضي، بل تريد النظر للمستقبل.. إن (محاولات) بسترة (الخلافة) لسد الفراغ.. قد تكون أخطر مرحلة لكن الحل لا يكون لا (بالبسترة) ولا بالتجاوز بل من طريق الوضوح والشفافية.. إننا مدعون، وخلال ستين يوماً، إلى العمل لتشكيل لجنة تحضيرية، تبحث في تشكيل وعقد مجلس وطني، موظفين الظرف الذي يتيح اشتراك كل الطيف الفلسطيني.. وهذا وحده قادر على إعادة القدرة والهيبة لمنظمة التحرير الفلسطينية ككيان فلسطيني يضم الكل.. وتنطلق منه كل التفاصيل الأخرى.. عرفات بما مثل من مرحلة طغيان الحلم أولاً.. ثم الايغال بالوثوق بوعود ثبت أنها، غير قادرة على تحقيق طموحات شعبنا الفلسطيني، حتى لو كانت تحمل عنوان الواقعية.. ثانياً. . يمثلان دعوة، ملحة لعمل فلسطيني، يعتمد، على مشاركة الكل، ويتحمل مسؤوليته الكل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved