سأكتب مرة أخرى عن أوجه الاستثمار التي تحتاجها البلاد في ظل المعطيات الاقتصادية والسياسية الجديدة، وأرى وأظن أن البعض يرى، أن هذه البلاد الطيبة الكريمة حكومة وشعباً تحتاج إلى استثمارات أبعد و أجدى للاقتصاد الوطني الحالي والمستقبلي مما هو قائم الآن.
لقد طرحت أسهم اتحاد الاتصالات، وبلغ الفائض من الاكتتاب حداً يفوق الوصف، وسيُطرح اكتتاب بنك البلاد، وسيستقطب رؤوس أموال مشابهة لتلك التي استقطبها الاكتتاب في اتحاد الاتصالات، كما أن شركة التعاونية للتأمين سوف تنال ما ناله غيرها. ورغم أهمية هذه الشركات فإنها لن تضيف جديداً للاقتصاد الوطني يمكن اعتباره من الأولويات المهمة والرئيسة فهي ستساعد في زيادة المنافسة لخدمة جيدة وقائمة، وهذا بلا شك سيكون له مردود إيجابي غير أن ذلك ليس المنشود من وجهة نظري في هذه الحقبة من الزمن ان المنشود والمؤمل هو بناء قاعدة صناعية كبيرة تكون ذات أثر ملموس وفعال في الحد من الاعتماد على النفط الذي كان وسيكون عرضة للتقلبات السعرية والإنتاجية.
إنّ الصناعة في هذه البلاد هي الخيار الأكثر منطقية لتناسبها مع الظروف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية التي تعيشها هذه البلاد الكريمة، فهي أداة لجلب العملة الصعبة، ولتوظيف هذا الشباب المتعلم الذي تخرج وهو يحمل بعضاً من العلم، وقليلاً من التجربة.
لا أفهم لماذا لا يكون في بلادنا سوى شركتين عملاقتين هما أرامكو وسابك في المجال الإنتاجي القادر على جلب العملة الصعبة والتبادل مع الأسواق العالمية بمنتجات سعودية، ولماذا لا يكون هناك مئات الشركات القادرة على دخول الأسواق الأخرى، ولا سيما أن هناك فائضاً من المال، ومن الشباب الباحث عن وظيفة، لماذا لا يطرح بعد الدرس إنشاء شركات عملاقة في مجال التقنيات وأخرى لبعض الصناعات المتوسطة.
إن من يعتقد أن مثل ذلك سيكون سهلاً فهو واهم، ومن اعتقد أن إنجازه يمكن أن يتم دون دراسة عميقة فهو واهم، لكن علينا أن نعلم أنه البديل الأمثل، والخيار الأوفر حظاً من البقاء دون عمل أو جهد أو أوجه استثمار تجلب المزيد من العملة الصعبة.
علينا ألا ننسى أو أن نتناسى أنه قبل خمس سنوات أو أكثر من الآن كانت أسعار النفط في حدود عشرة دولارات، وكانت الفرحة تغمرنا عندما تصل الأسعار إلى اثني عشر دولاراً، وهو إيراد لم يكن يغطي البند الأول من الميزانية، ثم فرحنا بأن وصل إلى ما فوق الخمسين دولاراً، وها هو الآن ينحدر إلى نحو 35 دولاراً ولا أحد يعلم أو يتوقع أين سينتهي به المطاف.
لو درست ثم طرحت أسهم اكتتاب لشركات صناعية وتقنية بمئة مليار ريال، فمن اليقين أنه سوف تغطى في بضعة أيام دون عناء، وسنجعل السيولة عاملة وفاعلة ومضيفة شيئاً إلى الاقتصاد الوطني.
لقد قام ولي العهد - حفظه الله - بتدشين مشاريع عملاقة في مكة المكرمة، وهي بحق مشاريع من تلك النوعية ذات الأولوية التي طالما انتظرناها كثيراً، فهي ستمتص خمسة وثلاثين مليار ريال لتكون فاعلة بدلاً من بقائها في البنوك، كما أنها ستسدي خدمة لضيوف بيت الله الحرام الذي شرف الله هذه البلاد بخدمته فقامت بذلك خير قيام، ولا أعتقد أن أحداً يختلف على ذلك، فشاهد الحي منه.
هذه المشاريع العملاقة ستوفر خدمات إضافية جليلة لضيوف الرحمن، وستعمل على توفير تلك الخدمة مقابل عملات صعبة ستصب في خدمتهم بمزيد من الخدمة والتوسع فيها. ولهذا فإن مثل هذه المشاريع تحمل فوائد جمة ومفيدة من مناحي كثيرة.نسأل الله التوفيق في جميع أمورنا.
|