*أجرى الحوار - سراج الدين إبراهيم:
يكفي ضيفنا معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر أن يكون أول مواطن سعودي نال درجة الدكتوراه.. ليدير جامعة الرياض بتلك الشخصية القوية وذلك النفس الطويل الذي كان يقابل به الزوابع التي أثيرت حول نتائج الجامعة وموضوع الانتساب.. مثله في ذلك مثل المسؤولين في جامعات الدنيا كلها الذين يواجهون نفس المشاكل والصعوبات وربما هي هنا أقل بكثير منها هناك..
ويكفي معاليه أنه أمضى من العمر عشر سنوات في قمة المسؤولية بجامعة الرياض لينال بعدها الثقة الملكية الكريمة بترفيعه وتنصيبه رئيساً لديوان المراقبة تقديراً لخلقه وإخلاصه وكفاءته.. هذا الرجل يقدمه لكم سراج الدين إبراهيم في حوار أجراه زميلنا مع معاليه عن الجامعة وديوان المراقبة ومواضيع أخرى وذلك في أول لقاء شامل يتحدث فيه بعد تسلمه لعمله الجديد كرئيس لديوان المراقبة العامة بمرتبة وزير.
****
* في بداية هذا اللقاء يطيب لنا أن نقدم معاليكم إلى قراء الجزيرة مهنئين بالترفيع والمنصب الجديد.
- شكراً على التهنئة وأرجو أن أوفق لأن أكون عند حسن الظن والقيام بالواجب على خير ما يتوقع مني.
* نريد من معاليكم أن يعطي القراء فكرة عن الدرجات العلمية التي حصلتم عليها.. وأين بدأ تعليمكم وأين انتهى؟
- بدأت دراستي للمرحلة التحضيرية في عنيزة وأكملتها هي والابتدائية والثانوية في مكة المكرمة، ثم ابتعثت إلى مصر للدراسة الجامعية وتخرجت من كلية دار العلوم في اللغة العربية والدراسات الإسلامية ثم سافرت إلى إنجلترا لدراسة التاريخ وحصلت على الدكتوراه فيه من جامعة لندن في عام 1380هـ.
* لمعاليكم بمناسبة انتقالكم للعمل بديوان المراقبة انطباع خاص نريد أن نعرف انطباعات معاليكم بالنسبة للمنصب الجديد..
- كنت في السابق في عملي بجامعة الرياض مراقباً (بفتح القاف) وأصبحت اليوم مراقباً (بكسرها) وهذا سوف يتيح لي الفرصة أن أطلع على كثير من الأمور التي تختلف طبيعتها عما عرفته في الجامعة وأن أنظر إليها من زاوية جديدة، وسوف يتيح لي هذا العمل الفرصة لمعرفة وجهة نظر الآخرين والمساهمة مع الآخرين في حل بعض ما يعترض طريق السير إلى الأهداف المرسومة.
* هل يمكن للقراء أن يتفهموا من معاليكم مهام أعمال ديوان المراقبة في فكرة موجزة؟
- مهام أعمال الديوان تتلخص فيما أشار إليه نظامه من أنه مختص بالرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة، ومصروفاتها وكذلك مراقبة كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها ويخضع لرقابة الديوان جميع الوزارات والإدارات الحكومية وفروعها والبلديات وإدارات العيون ومصالح المياه والمؤسسات والإدارات الأخرى ذات الميزانيات المستقلة التي تخرج لها الحكومة جزءًا من مال الدولة إما بطريق الإعانة أو الاستثمار وكل مؤسسة خاصة أو شركة تساهم الدولة في رأس مالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح.
* كمسؤول عن ديوان المراقبة نريد منكم تعريفاً واضحاً لهذه التسمية (ديوان مراقبة) وأبعادها ومداها من حيث المسؤولية والمهام.
- في الإجابة السابقة ما يكفي للإجابة على هذا السؤال.
* كمدير سابق لجامعة الرياض أي كرجل إداري تربوي هل ستكون نظرتكم بالنسبة لموظفيكم هنا هي نفس النظرة بالنسبة لطلبة الجامعة وموظفيها أم ستتغير؟
- نظرتي لموظفي الديوان مثل نظرتي لموظفي الجامعة مع ما يلزم من تغير توجبه طبيعة العمل وهي تختلف في الديوان عنها في الجامعة.
* كثير من الإدارات والمصالح الحكومية في العالم تستفيد من الجامعات في إحالة مشاكلها لها لدراستها والخروج بنتائج مفيدة تطبقها في مجال العمل أي تستفيد من الجهاز الأكاديمي في الجامعة.. فهل سيطبق معاليكم هذه النظرة الجديدة على ديوان المراقبة؟!
- سوف لا يستغني (الديوان) عن الاستعانة بالجهات الأكاديمية والتدريبية المختلفة وفي أولها الجامعة ومعهد الإدارة، وسوف تكون هذه الاستفادة منتظمة ودورية متتابعة.
* بالطبع هذه النظرة أي دراسة مشاكل العمل أكاديمياً ليست جديدة.. فهل سبق أن تقدمت للجامعة مصلحة حكومية بمثل هذه الدراسات؟
- نعم الجامعة سبق أن طلب منها الاشتراك في بعض الدراسات وساهمت مساهمة فعالة فيما طلب منها أن تساهم فيه.
* موقفكم من (الانتساب) في جامعة الرياض اتضح من المناقشات السابقة في الصحف أليس في ذلك إيصاد للباب أمام المئات من العصاميين الذين لم تتح لهم ظروفهم فرصة التعليم المنتظم..
- الذي يسمع سؤالك هذا يظن أن باب الانتساب موصد والأمر غير ذلك فالانتساب حتى الآن قائم ولم يجد حسب علمي أمر رسمي يجعله يختلف.
* بوصفكم الآن بعيداً عن العمل في الجامعة هل تغير رأيكم الآن بالنسبة لموضوع الانتساب في الدراسات الجامعية أم ما زال رأيكم كما هو معروف سلفاً؟!
- رأيي هو الرأي الرسمي الذي تسير عليه الجامعة وهو نتيجة تفاعل أفكار أعضاء مجالسها وبين أيديهم من الوثائق ولديهم الإمكانيات للحكم بما يضمن المصلحة العامة.
* دار حوار في الصحف المحلية أخيراً عن (موضوع الانتساب) أثاره الدكتور غازي القصيبي واشترك فيه كثير من الكتاب والمفكرين كالدكتور جلال محسون، والأستاذ أبو هاني العبادي وغيرهما وأيضاً انعقدت ندوة ناقشت (قضية الانتساب) ما رأيكم بما دار؟.. وهل هناك نتائج تحققت من خلال ذلك النقاش الموضوعي تكون في صالح الانتساب؟
- ما كتب وما دار في الندوة كشف بعض الحقائق التي كان بعضها يخفى على أحد الطرفين المؤيدين والمعارضين وكل نقاش هادف يأتي بنتيجة، وأصبح كثيرون اليوم ممن كانوا يتكلمون في الماضي عن الانتساب دون إلمام كامل بجوانب الموضوع، يتكلمون عن علم وفهم، ولو لم يأت إلا هذه النتيجة لكفت.
* ما هي وجهة نظر معاليكم في التعليم الأهلي طالما أن وجهة نظركم في الانتساب قد تحددت سابقاً؟
- أفضل أن أعرف وجهة نظر القائمين عليه والملمين بظروفه والإمكانيات المهيأة، وإن كان كل شيء يعضد التعليم ويساعده فهو لبنة مباركة في البناء التربوي والفكري.
* التعليم في الجامعات الأمريكية يتركز على برنامج وأستاذ وطالب.. وليس للوقت دخل في تقييمه صباحاً كان أم مساء والطلبة هناك يتعلمون ويكسبون عيشهم في نفس الوقت.. نريد معرفة رأيكم بهذا الأسلوب المتبع في الجامعات الأمريكية؟
- كل بلد وظروفه وإمكانياته وتتوقف الإجابة على معرفة توفر الإمكانيات لهذا ومدى نفع نظام مجرب في بلد آخر على بلد يختلف فيما يحتاج إليه وما عنده.
* ما هو رأيكم في الزواج كعامل استقرار أو تشتيت بالنسبة للطالب..!
- أنت حكمت على أن الزواج عامل استقرار وأنا أوافقك ويبقى اختيار وقته وتهيئة ظروفه ولكل حال حل.
* أيمكن لنا أن نعرف آخر كتاب قرأه معاليكم وما رأيكم في (كتاب) الدكتور مصطفى محمود - القرآن محاولة لفهم عصري؟
- آخر كتاب قرأته (الوجيز) في سيرة الملك عبدالعزيز للأستاذ خير الدين الزركلي. وكتاب الدكتور مصطفى محمود محاولة جادة مخلصة ولكني لست مؤهلاً للحكم عليه.
* هل لديكم برنامج تخطيطي جديد ستعملون على تطبيقه داخل إطار ديوان المراقبة تتفتح منه نوافذ أجد؟
- صدر منذ شهور قليلة نظام جديد (للديوان) يفتح أمامه آفاقاً جديدة سوف ينطلق منها إلى تحقيق أغراضه (والديوان) يعد العدة الآن للاستفادة من هذه الأبواب التي فتحت أمامه.
* انتقالكم إلى مقر عملكم الجديد (بديوان المراقبة العامة) هل ذلك يعني انقطاع صلتكم بالجامعة.. أم أن هناك روابط ستظل تشدكم إلى الجامعة؟!
- أرجو ألا يبعدني عملي في الديوان عن متابعة الإنجازات العلمية في المملكة سواء في جامعة الرياض أو غيرها من الجامعات والمؤسسات العلمية في المملكة.
* لبعض الكتاب آراء قد تبدو غريبة بعض الشيء.. كاعتبار الكتابة نوعاً من الترف الفكري.. أو الكتابي أو نوعاً من العبث، بم تعللون مثل هذه الظواهر؟
- الأمر يتوقف على نوع الكتابة فهناك الكتابة التي تأتي بعد دراسة مستفيضة اعتمدت على أسس صحيحة من البحث والاستقصاء وهذه لا يمكن أن توصف بالعبث أو الترف الفكري، وهناك الكتابات الاجتماعية الإصلاحية الهادفة وهذه أيضاً لا يمكن أن توصف بهذا وكتابات أخرى مثلها فائدتها ظاهرة، وهناك مقومات الآداب من قصائد ومن نثر له أهدافه وهذه أيضاً لا يمكن أن توصف بالترف الفكري العابث، ولكن هناك ما يمكن أن يكون تمرناً لبعض المبتدئين أو استرزاقاً لبعض الكاتبين وهذه أيضاً من الصعب اعتبارها كذلك، وهي التي ربما عنيت بما ذكرت، إلا إذا كان ما تقصده هو ما يكتب مما لا يكاد يفهم إلا من أناس محدودين فهذا قد ينظر إليه بعض الناس على أنه ترف، وقبل أن أقول رأيي أحتاج إلى أن أسمع رأي أصحابه.
* الإدارة إشراف إنساني له أبعاده المرنة.. قبل أن تكون مسألة رئيس ومرؤوس.. وافتراض سلطة وتقول إلى أي مدى ترون ذلك.. وما الوسائل الخيرة التي تحقق الأهداف المرجوة من الموظفين في محيط العمل بنشاط ونجاح؟
- الإدارة مشاركة هادفة تنظمها قواعد تبنى أسسها على ما يوصلها إلى أهدافها، وتنظيمها يقتضي أن يكون التسلسل محكماً وحاكماً، ولهذا التسلسل قواعده الملائمة فإذا نفذت أحكامه وأهمها الصلة بين فرد وفرد فيه جاء بالنتائج المطلوبة وإلا اختل العمل. ونجاح أي عمل بالتركيز على تحقيق مصلحة هذا العمل والتركيز على هذا والتفاني فيه.
* الرومانتيكية.. الرومانسية.. الرمزية.. الواقعية النرجسية.. الميتافيزيقيا.. التجريدية إلى غير ذلك من الأسماء المحشودة مدارس أدبية وفنية ونقدية استجدت لها آثارها في التعبير هل لديها مرتكز تكتسب منه تجارب تدلل على نضوجها؟
- اتجهت في السنوات الأخيرة على التركيز على التاريخ وابتعدت عن الأدب إلا ما يلمس الحياة العامة وأخشى أن أدخل في التفاصيل في هذه الأمور فأزل وأتعدى في هذا على اختصاص من انقطعوا له، وأقترح توجيه هذا إلى أحد الأساتذة الأفاضل المتخصصين.
* قضية فلسطين من مشاكل الساعة التي تطرق الأذهان ما رأيكم في أنجح الوسائل لحل هذه القضية الهامة؟
- كتب عن فلسطين وقضيتها وتاريخها وحل قضيتها الشيء الكثير ورأي خبير ومختص قد يكون أفيد للقراء من رأي مبتور أبديه هنا ويمكن أن أقول إن إخلاص كل فرد يهمه أمر فلسطين تجاه القضية والسعي لإفادتها كل في مجاله يساعد القضية.
* في مجال التأليف والنشر كثير من المواد التي تخدم المجتمع فهل هناك قضايا تشغل ذهنكم في وقت فراغكم إن وجد وتفكرون بالكتابة عنها؟
- لقد قاربت بعض الدراسات التي كنت بدأتها على الانتهاء وهي تحقيق مخطوط عن حياة الملك الظاهر بيبرس وكتاب عن حياته وأرجو أن تتاح الفرصة لإنهاء بعض النقط المتبقية.
* ما رأيكم في مستوى الصحف اليومية والأسبوعية، وما هي الصحافة الجديرة بالمتابعة.. وتأخذ نصيباً كبيراً من اهتمامات المجتمع بها؟
- مستويات الصحف اليومية والأسبوعية تختلف أما الصحافة الجديرة بالمتابعة فهي التي تحتوي على ما يجد القارئ فيها ما يشبع رغبته في القراءة ويجتذبه إلى الاستفادة.
* ما هي الحقائق التي لمستها بنفسك.. ولا يمكن أن تميزها النظرة العادية كتجارب جادة خلال تجاربك الحياتية في ميدان العمل والدراسة على حد سواء؟
- هذه الأمور كثيرة وفي كل جانب من جوانب الحياة شيء منها وإعطاء واحدة لا تمثل الحقيقية عما طلبت.
* نريد أن تلقوا أضواء على مشاكل العمل التي يواجهها ديوان المراقبة! وما هي نقاط الانطلاق التي يرتكز عليها؟
- أهم مشكلة يعانيها الديوان عدم الإقبال على ديوان المراقبة من الموظفين المطلوبين لسد الفراغات القائمة، وهناك الحسابات للسنوات الماضية التي لم ينته من تدقيقها ومراجعتها وضيق الأماكن وعدم ملاءمتها. وهذه كلها في طريقها إلى التلاشي بعد أن صدر النظام الجديد وبدئ في بناء مقر مناسب للديوان.
* التجرد.. والموضوعية.. والهدوء.. تدفع الإداري والموظف المجد نحو الهدف بحماس وتفاني ولا تجعله يقلل من غلوائه أو يحد من تفانيه هل من السهولة أن تنغرس هذه الصفات في كل شخص.. أم للطبع والمزاج أثر قد يغير في اتجاهه.. أم بين هذا وذلك شيء من التوافق؟
- الطبع والمزاج لهما دخل كبير في اتجاه المرء وسيره ولكنهما قابلان للتهذيب والتشذيب، والتهذيب والتشذيب من أدوار الدين الرئيسية.
والتربية ونظمها لها دخل كبير في تعديل الطبع والمزاج وتوجيهه الوجهة الصالحة.
* في العام الماضي كانت نتائج المنتسبين في جامعة الرياض متخرجين ودارسين عالية جداً.. وأحرزوا تفوقاً ملحوظاً على أقرانهم المنتظمين وبذلك جسدوا مفهوماً مغايراً لاعتقاد من يرون عدم جدوى الانتساب فماذا ترون؟
- كون نتائج المنتسبين في جامعة الرياض متخرجين ودارسين عالية جداً، فهو أمر لا أعرفه وتحتاج إلى إبراز دلائل وإحصائيات تعضد قولك لأن التعميم الذي لا يبنى على أسس قد يضلل، وإلى أن تثبت هذه الدعوى فالجواب من الأفضل له أن ينتظر.
* ما هي الحكمة التي تتمثلونها في حياتكم؟
- الحكم لم تسم حكماً إلا لما تميز به من وصفها للحياة بطريقة معبرة ودقيقة ولها مرماها المحدد الدال على الكثير ولكل مقام حكمة، فمثلاً: (لا تؤخر عمل اليوم إلى غد) هذه حكمة لها مدلولها في مقامها و(تعلّموا العلم من المهد إلى اللحد) تعتبر حكمة لها مدلولها في مقامها وقول (ما خاب من استشار) حكمة مدلولها في مقامها وآلاف من الحكم التي تنفع في مقامها وأتمثلها في مقامها إذا وفقت.
* النصيحة التي تسدونها للموظف والطالب والمواطن بصفة عامة؟
- النصيحة لكل شخص هي الصدق في القول والعمل وتصفية النية فيها.
|