* الطائف - هلال الثبيتي:
شاعرنا اليوم شاعر حفر في الذاكرة اسمه بأحرف من ذهب اعتز بنفسه وانعكس ذلك على شعره، عاش طفولة جميلة في كنف والده واستقى منه الأدب والثقافة حتى أصبح شامخ الهامة، الطموح عنوانه والبذل شعاره والرقة وغزارة الشعر من صفاته، إنه سمو الأمير سعود بن بندر - رحمه الله - ذلك الشاعر العملاق الذي أجبر بحور الشعر على مماشاته في الشعر وحلّق في الخيال الواسع الذي لم يحتمل شاعريته. نعم لقد عاش بصدق يعانق التراكيب الشعرية ورحل تاركاً الكثير من الكنوز الشعرية وحفر في الذاكرة اسماً شعرياً تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل.
وعندما نتعمق في قصائده - رحمه الله - نجد أنه يكتب القصيدة بإحساس صادق نابع من القلب ممزوج بالواقع الجميل والخيال الواسع الذي يعيشه ولم يكن مبدعاً عادياً في تركيب القصيدة وبنائها، بل نجده محترفاً في التحليق الخيالي الذي دائماً يصور الواقع.
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} سورة الإسراء (24).
طاعة الوالدين وبرهما هي كنز من كنوز الدنيا والآخرة وشاعرنا كان -رحمه الله- باراً بوالديه مطيعاً لهما حريصاً كل الحرص على إرضائهما ونرى ذلك جلياً في مخاطبته لوالدته حينما قال:
يا ليتني بينك وبين المضرة
من غزة الشوكة إلى سكرة الموت
ولم يكن والده غائباً عن ذاكرته الحنونة المتعطشة لطاعته حيث قال:
يا بوي يا عزي ويا تاج راسي
يكفي من أفضالك علي نسبتي لك
وعندما يكتب شاعرنا سمو الأمير سعود بن بندر في الرثاء نجده يكتب بألم وحسرة وتعصر قلبه الفاجعة وهذا ما كان واضحاً في رثائه لجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز-رحمه الله-:
يا رب ثبتنا على إيماننا فيك
وأجبر عزانا يا حكيم الحكاما
يا رب مافقلوبنا فيك تشكيك
مير المصيبة فوق حد الاناما
والرسائل الشعرية هي نوع من أنواع الشعر وقليل من الشعراء من يتمكن من إجادتها وسمو الأمير سعود بن بندر كان له مجموعة من الرسائل الشعرية التي لها أبعاد لا يمكن لنا أن نقف عندها وعندما نقف عند رسالة (انتظر فكة الريق) التي وجهها إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض نجد أن سموه كان رائعاً:
لا جيت لك والضيق من حولي يضيق
وفي كل يوم تزيد ضجة همومي
ولا نيب أغيب وقصدي أسج وافيق
لا شك أبيها كاملات علومي
نعم لم يكن شاعرنا مجرد شاعر عادي، بل تجاوز كل التعابير عندما يقصد ذلك الأمير الشهم وهو صائم لكي ينتظر فكة الريق عند سلمان الإنسان.
وكان همّه -رحمه الله- وطنه المملكة العربية السعودية لما يتمتع به من مكانة متقدمة ويدعو أبناء الوطن إلى تغانم الفرصة وتحويل هذه الأرض الشاسعة بالجد والعمل إلى مزارع ومبان شامخة.
يا الله تحولها مزارع وتعمير
تغانموا فرصة زمان عطاكم
لم يكن همّه الوحيد وطنه الذي عاش فيه، بل تجاوز إلى دول الخليج عندما خاطب قادتها قائلاًَ:
بالتعاون حققوا خير لشعوب الخليج
ودايم يرعاكم الله يا روادنا
يا كبيرين التحدي قليلين الضجيج
ندري بهمّ جمعكم بقصد إسعادنا
ربما أن الغزل هو الجانب الذي حظي بالحظ الأوفر لدى سموه وأبدع فيه ابداعاً غير عادي حتى ان بعض الفنانين تغنوا ببعض قصائده.
وعندما نقف عند هذه القصائد نجد فيها الكثير من الصور الشعرية الرائعة التي كانت واضحة من أول قصيدة له.
الدمع غالي كف دمعك كفايه
وش في دموعك فوق خدك جواري
نعم نجده ينتقل بخياله الواسع بين التصور من دنيا الخيال للحبيب.. ولرؤية الحبيب.. وبعد الحبيب.. وسهر ليل الحبيب ولا عجب أن كان يحاول مع من يحب أن ينسيه حبه:
كانك على قولك تمنى لي الخير
ساعدني أنسى حبك اللي خذاني
وإذا كان قاموس الهوى لم يحتمل حبه فإن حظه لم يكن أقل من ذلك:
تولعت بك والله كتب لي عنا فرقاك
حسيبي على الحظ الردي كانه اشقاني
وما أجمل الأحلام في دنيا الخيال خاصة إذا صوّر ذلك الخيال شعوراً غير عادي:
دعني مع الأحلام بالله دعني
عن واقعي فضلت دنيا خيالي
اشوف بعدي عن وجودي نفعني
على الأقل ارتاح يا صاح بالي
وإذا العزة أو الكرامة أخذت وضعها الطبيعي في شخص سعود بن بندر خاصة إذا كان يخاطب ذلك المقفي من الغالين:
كان لك عزة فأنا عندي كرامه
وما على المقفي ولو غالي ندامه
اني استجديك ترجع لا تهوجس
لو تفارقني إلى يوم القيامه
وإذا كان الشعر هو تعبير لما يدور في نفس الشاعر ولا يمكن أن يكون ذلك الشعور صادقاً إلا إذا كان نابعاً من القلب، وعندما يحتار الشاعر في بعض الأمور فإنه يراسل الشعراء وهذا ما حدث من سموه عندما خاطب الشاعر راشد بن جعيثين:
يا بومحمد بح صوتي وأنا اصيح
وما كن حولي نابه العقل يوحي
لمّحت واجد ثم صرّحت تصريح
لعل يسمعني بعيد الشبوحي
فأجابه راشد بن جعيثن:
اسمعك أنا وأقوم يا شيخ واطيح
امشي على صوتك واسوق السروحي
لاهنت يا ملمّح هفاويك تلميح
صوتك يوقظ نايم افنود روحي
إلا أن أوضاع الساحة لم تكن غائبة عن ذاكرة سموه فكان الحميدي الحربي له موقفه عندما خاطب سموه:
يا سعود لو يكثر كلام المصافيق
الشمس ما احدٍ في يدينه حجبها
الفرق واضح بين شعر وتلافيق
وكم تلعن الشهرة غشيم طلبها
واللي من الشعار ما فيه تبريق
مثلك لو انه ما بغاها كسبها
فرد عليه سمو الأمير سعود بن بندر قائلاً:
حملتني يا بوحمد فوق ما اطيق
وان زلت اقوالي فقولك سببها
حركت في نفسي قبل فكة الريق
بركانها الخامد مثل قمة أبها
لقد رحل الأمير سعود بن بندر وترك الكثير من الفراغ في العقول والنفوس إلا أن عاطفة الأم لم تكن تحتمل ذلك الرحيل المفجع حيث قالت: