** لا أدري حتى الآن.. سر استمرار وجود المنتديات المنزلية.. فكل من هب ودب قال.. أن (عنده.. أحدية.. أو اثنينية أو سبتية.. أو خميسية أو مساء كل جمعة) ودعا بعض الأشخاص وطرح موضوعاً أو مواضيع وترك مساحة للهرج والمرج والكلام.. دون أن يكون هناك فكر أو طرح علمي.. بل هو مجرد.. نحن موجودون.. ونحن هنا نتحدث..
** المؤسف.. أن بعض الصحف تسوق لتلك الأمسيات.. على أنها أمسيات فكرية ناضجة ذات قيمة..
** لدينا.. النوادي الأدبية في كل مدينة.. وتفتح أبوابها للجميع..
** ولدينا جامعات ومعاهد ومراكز بحثية تفتح أبوابها أيضاً.. لكل منشط مهما كان.
** لدينا.. مؤسسات ثقافية وفكرية وعلمية تحتضن مثل هذه المناشط.. فلماذا إذن.. الإصرار على وجود هذه التجمعات أو المحافل أو اللقاءات المنزلية.. والتي يشرف عليها أو يرتادها.. أناس ليسوا في مستوى النضج الفكري.. وليسوا في مستوى المسؤولية.. ويضرون أكثر مما ينفعون.
** قد يقول أحدهم.. أن الصوالين الأدبية موجودة في كل مكان.. وأن مثل هذه اللقاءات والأمسيات تنتشر في كل بلد.. ونحن نقول.. نعم.. هناك صوالين ثقافية مشهورة.. وهناك مقاهٍ ثقافية في بعض البلدان ولكن.. وجدت آنذاك.. حيث لا يوجد مجالات متاحة.. مثلما هي متاحة لدينا اليوم.
** كما أن هذه الصوالين التي يتحدثون عنها.. يرتادها عمالقة كبار.. على قدر كبير من المكانة العلمية والفكرية والأدبية ولكن.. لو استعرضنا بعض أمسياتنا.. لوجدناها تضم أناساً بسطاء هدفهم.. مجرد نحن هنا.. ونحن مثقفون.. ونحن مفكرون.. ونحن فاعلون.. ونحن مهمون.. ونحن جزء من منظومة الفكر والثقافة.. مع أن الواقع.. والساحة.. وكل شيء.. يثبت.. أنهم لا شيء.
** الحوارات واللقاءات والمكاشفة.. أسلوب صحي حضاري مطلوب.. ولا أحد يرفضه أو يقف ضده.. والدولة.. وضعت مركزاً ضخماً للغاية.. اسمه مركز الحوار الوطني.. ولديه استعداد لاستضافة اي لقاء أو حوار.. ولدينا في الرياض كمثال.. عشرات المراكز والمنتديات الثقافية والفكرية والحضارية.. ومراكز للدراسات والبحوث.. وكلها مستعدة لاستضافة أي حوار أو نقاش علمي ولكن.. بشرط أن يكون على مستوى..وأن يكون أعضاؤه على قدر من الكفاءة والمسؤولية.. أما أن يكونوا بسطاء.. وضيوف (عشاء) فلا..
** مشكلتنا.. أننا فتحنا مجالاً لهؤلاء الذين تطفلوا على الثقافة والفكر والرأي.. وهم ليسوا كذلك.
** مشكلتنا.. أننا أعطيناهم الضوء الأخضر.
** مشكلتنا.. أننا نقول عن بعضهم.. أنه دكتور.. وشيخ.. و.. و.. وهو لا يحمل حتى المؤهل الجامعي.
** مشكلتنا.. أننا ننشر أخبارهم وأخبار منتدياتهم.. وهي تضر أكثر مما تنفع.
** مشكلتنا.. أننا نتحدث عن الفكر المنحرف.. والفكر المتطرف.. والفكر الفاسد.. وهذه المنتديات تؤسس لكل ذلك..
** فالتطرف.. ليس أبداً.. هو ما ينسبه البعض للدين..
** التطرف.. له أكثر من شكل.. وأكثر من هوية.. وأكثر من منهج.. وله أكثر من طريقة تفكير.
** إن محاربة التطرف.. يتطلب تعقب هذه المنتديات.. ومنح تراخيص للجيد النافع منها.. وأن يشرف عليها أناس على مستوى.. وعلى قدر كبير من الكفاءة والتأهيل العلمي والفكري.. والشعور بالمسؤولية.
** أما أن يتاح المجال لكل شخص بأن يجمع من هب ودب يُغمطون و(يتلاجدون) باسم الحوار أو باسم أمسية.. أو باسم لقاء ثقافي أو فكري.. فهذا السم بعينه..
** وهنا.. لا بد من الاشارة إلى نقطتين مهمتين حول هذا الموضوع.
** الأولى.. أن هناك مجموعة من الأشقاء.. من الدول العربية.. بعضهم متقاعدون.. وبعضهم مدرسون. وبعضهم مرافقون لزوجاتهم.. أو في أي مجال آخر.. هم من الرواد الدائمين لهذه اللقاءات.. ومن المشجعين لها والدافعين لاستمرارها.. ومن الساعين لتكثير السواد فيها.. وقد يُلقون قصائد حماسية ملتهبة تلهب حماس الحضور.. وتظهر (ضعف وخور الأمة!!) وحاجتها إلى الثوريين المجانين الذين سموهم (شجعاناً) وتتضمن بكاء على التاريخ ونياحة على الماضي.. واظهار فساد الأمة اليوم.. وأنها لا تساوي شيئا.. و(خذ من هذه الترهات) التي تنطلي على الجهلة ويتأثر بها البسطاء (وهم أكثر الرواد) ويخرج الضيف من الأمسية.. متكدراً متنكداً ضائق الصدر.
** النقطة الثانية.. هو أن هناك بعض المنتسبين إلى الإعلام.. وبعضهم للأسف.. محسوب على الكتّاب والمثقفين.. هؤلاء.. هم الذين يتولون نشر أخبار هذه المنتديات واللقاءات المنزلية.. وهم الذين يدفعون بأخبارها للصحف.. وهم الذين يلمعون اصحابها دون أن يذكروا أسماءهم.. أو أن الخبر منسوب إليهم.. بل يكتبون (كتب مندوب الصحيفة) فقط ولكن الواقع.. أن هذه الأخبار وراءها مندسون في الصحف.. والكل داخل الصحف.. يعرفهم شخصاً شخصاً.. وأسماؤهم معروفة..
** وهؤلاء المندسون داخل الصحف.. ينقلون هذه الأخبار وغيرها مما يشابهها من الأخبار.. دون أن ترد أسماؤهم.
** وأخيراً.. إنني لا أنكر.. أن هناك أمسيات رائعة وجيدة.. وعلى مستوى كبير.. ولا يمكن انكار دورها وجدواها ومستوى الطرح فيها ومستوى الحضور.. ونحن هنا.. لا نقصدها أبداً.. ولكن يجب أن نحمي الفكر ونحمي اجيالنا من بعض هذه المنتديات.
** ليس كل لقاء ثقافي أو (يُسمى ثقافيا) نافعاً.. وليس كل حوار إيجابياً ومفيداً..
** علينا.. ألا نوسع دائرة النقاش.. حتى لا يدخل فيها الجهلاء والسفهاء.. لأن ضررهم أكثر من نفعهم..
** هل حرية التفكير تسوغ لنا.. أن نسوق لفكر مغشوش أو فكر سقيم.. أو نتيح للغوغائية والبسطاء. أن ينشروا تفاهاتهم؟
** كم في مدينة الرياض وحدها من أمسية؟ وكم من شخص فتح بيته منتدى وملتقى ثقافياً؟
** من سمح لهؤلاء بذلك؟
** وهل حرية التفكير وحرية الحوار وحرية الثقافة وحرية الشخص تسمح بأن نضر بمجتمعنا ونضر بمستقبل أجيالنا بهذا الشكل؟
** وقبل أن أختم.. أجزم أن هناك من سيتصدى لما ذكرته.. وهو من المنتفعين من هذه الأمسيات واللقاءات.. وقد يردون بأسماء مستعارة كالعادة.. لأنهم لا يواجهون.. ولكن.. تظل هذه المنتديات.. ضارة.. ولا بد من وقفة جادة لإغلاقها..
|